Bila rasa tak lagi bisa ku peram . . Bila maksud tak lagi mampu ku peta . . Bila desakan tak lagi dapat ku jeda . .

Senin, 16 Mei 2011

استشهاد الحسين ـ رضي الله عنه ـ بين الحقائق والأوهام

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ..

هذا الفصل مستل من كتاب الدولة الأموية للدكتور علي محمد الصلابي ، رأينا نشره في هذه المناسبة " عاشورا " لتعم به الفائدة .

{ والدال على الخير كفاعله }

المبحث الثاني : خروج الحسين بن علي رضي الله عنه:
أولاً : اسمه ونسبه وشيء من فضائله:
هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته ومحبوبه، ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاطمة رضي الله عنها، كان مولده سنة أربع للهجرة، ومات ورضي الله عنه قتيلاً شهيداً، في يوم عاشوراء من شهر المحرم سنة إحدى وستين هجرية بكربلاء من أرض العراق فرضي الله عنه وأرضاه[1].
وقد وردت في مناقبه وفضائله أحاديث كثيرة منها:


1 ـ ما رواه أحمد بإسناده إلى يعلي العامري رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله يعني إلى طعام دعوا له قال فاستمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم، وحسين مع غلمان يلعب فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه فطفق الصبي يفر هنا مرة وهاهنا مرة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه قال: فوضع إحدى يديه تحت قفاه الأخرى تحت ذقنه ووضع فاه وقبله وقال: حسين مني وأنا من حسين اللهم أحب من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط[2].
2 ـ ما رواه البخاري بإسناده إلى ابن عمر قد سأله رجل من العراق عن المحرم يقتل الذباب فقال رضي الله عنه: أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: هما ريحانتاي من الدنيا[3].
3 ـ وروى أحمد بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة[4]
وغير ذلك من الأحاديث وفي النية أفراد كتاب مستقل عن أبي عبد الله الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنهما بإذن الله تعالى.

ثانياً : الأسباب التي أدت إلى خروج الحسين والفتوى التي بنى عليها خروجه رضي الله عنه:
كان موقف الحسين من بيعة يزيد بن معاوية هو موقف المعارض وشاركه في المعارضة عبد الله بن الزبير والسبب في ذلك: حرصهما على مبدأ الشورى وأن يتولى الأمة أصلحها ـ وتلك الممانعة الشديدة من قبل الحسين وابن الزبير، قد عبرت عن نفسها بشكل عملي فيما بعد فالحسين رضي الله عنه كما مر معنا، كان معارضاً للصلح، والذي حمله على قبوله هو متابعة أخيه الحسن بن علي ثم أن الحسين بن علي استمر على صلاته بأهل الكوفة وقد كان يعدهم بالمعارضة ولكن بعد وفاة معاوية، والدليل على ذلك أنه بمجرد وفاة معاوية سارع زعماء الكوفة بالكتابة إلى الحسين، وطلبوا منه المسير إليهم على وجه السرعة[5] ومن الأسباب التي أدت إلى خروج الحسين رضي الله عنه:
1 ـ هو إرادة الله عز وجل وأن ما قدره سيكون وإن أجمع الناس كلهم على رده فسينفذه الله، لا راد لحكمه ولا لقضاءه سبحانه وتعالى[6].
ثالثاً: عزم الحسين على الخروج إلى الكوفة ونصائح الصحابة والتابعين ورأيهم في خروج الحسين إلى الكوفة:
1 ـ عزم الحسين على الخروج إلى الكوفة:
بعد توافد الرسائل من زعماء الكوفة على الحسين رضي الله عنه والتي تطلب منه المسارعة في القدوم إليهم، ولما كان العدد مشجعاً أراد أن يطلع على حقيقة الأمر، فبعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ليستجلي له حقيقة الخبر، ثم يكتب إليه بواقع الحال، فإن كان ما يقولون حقاً قدم عليهم[7]، خرج مسلم بن عقيل بصحبة عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي، وقيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبيد السلولي فلما وصل مسلم المدينة أخذ معه دليلين، وفي الطريق إلى الكوفة تاهوا في البرية ومات أحد الدليلين عطشاً، وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه، وذلك بسبب إحساسه النفسي لمدى الصعوبات التي تنتظره في الكوفة، ولكن الحسين رفض طلبه، وأمره بمواصلة المسير نحو الكوفة[8]، ولما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة نزل عند المختار بن أبي عبيد[9] في أول قدومه فلما جاء ابن زياد وتولى إمارة الكوفة، وأخذ يشدد على الناس انتقل مسلم عند هانيء بن عروة وذلك خشية انكشاف أمره ثم لمكانة هانيء وأهميته كأحد أعيان الكوفة، ولما بدا الشك يساور ابن زياد من هانيء بن عروة خشي مسلم بن عقيل على نفسه، وانتقل أخيراً ولفترة قصيرة جداً عند مسلم بن عوسجة الأسدي أحد دعاة الشيعة[10]، ولما بلغ أهل الكوفة قدوم مسلم بن عقيل قدموا إليه فبايعه اثنا عشر ألف[11]، وتمت تلك المبايعة بصورة سرية مع تحرص شديد، ولما تأكد لمسلم بن عقيل رغبة أهل الكوفة في الحسين وقدومه إليهم كتب إلى الحسين أما بعد، فإن الرائد لا يكذب أهله إن جميع أهل الكوفة معك فأقبل حين تنظر في كتابي[12]، وهنا تأكد للحسين صدق نوايا أهل الكوفة وأنه ليس عليهم إمام كما ذكروا من قبل[13]، فلا بد في هذه الحالة أن يفي لهم بما وعدهم به، حين كتب إلى أهل الكوفة: وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم، فإذا كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم، أقدم عليكم إن شاء الله[14]، فلما وصل إلى الحسن بن علي كتاب مسلم بن عقيل والذي طلب منه القدوم إلى الكوفة وأن الأمر مهيأ لقدومه تجهز الحسين بن علي وعزم على المضي إلى الكوفى بأهله وخاصته[15].
2 ـ مواقف الصحابة والتابعين من خروج الحسين:
أ ـ محمد بن الحنفية: لما بلغ محمد بن الحنفية عزم أخيه الحسين على الخروج إلى الكوفة قدم عليه وقال: يا أخي أنت أحب الناس إلي، وأعزهم علي، ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم أبعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن بايعوا لك حمدن الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ويذهب به مروءتك ولا فضلك أني أخاف أن تدخل مصراً من هذه الأمصار وتأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم، فمنهم طائفة معك، وأخرى عليك فيقتلون فتكون لأول الأسنة، فإذا خير هذه الأمة كلها نفساً، وأباً، وأماً، أضيعها دماً، وأذلها أهلاً فقال الحسين: فإني ذاهب يا أخي، قال: فانزل مكة فإذا أطمأنت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنتظر إلى ما يصير أمر الناس وتعرف عند ذلك الرأي فإنك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً حين تستقبل الأمور استقبالاً، ولا تكون الأمور عليك أبداً أشكل منها حين تستدبرها استدباراً قال: يا أخي قد نصحت فأشفقت وأرجوا أن يكون رأيك سديداً[16] وجاء في رواية:.. فإن الحسين حين عزم على الخروج بعث إلى بني عبد المطلب في المدينة يدعوهم للخروج معه، فقدم عليه من خف منهم، وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك الحسين بمكة فأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبى الحسين أن يقبل في نفسه على أخيه محمد وقال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟ فقال محمد وما حاجتي أن تصاب ويصابون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم[17].
ب ـ عبد الله بن عباس رضي الله عنه: ولما بلغ خبر عزمه على الخروج إلى ابن عمه عبد الله بن عباس أتاه وقال: يا ابن عم أنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبيّن لي ما أنت صانع؟ قال: قد أجمعت المسير في أحد يومي هذين إن شاء الله تعالى، فقال له ابن عباس: أخبرني إن كان عدوك بعد ما قتلوا أميرهم ونفوا عدوهم وضبطوا بلادهم فسر إليهم، وإن كان أميرهم حي وهو مقيم عليهم، قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن يستفزوا عليك الناس ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك. فقال الحسين إني استخير الله وأنظر ما يكون. ولكن ابن عباس أدرك من كلام الحسين واستعداده أنه عازم على الخروج ولكنه يحاول إخفاء الأمر عنه لعلمه بعدم رضاه عن ذلك، لذا جاء ابن عباس إلى الحسين من الغد فقال: يا ابن عم إني أتصبر ولا اصبر، وإني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، أن أهل العراق قوم غدر فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن فإن به حصوناً وشعاباً، ولأبيك به شيعة، وكن عن الناس بمعزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب. فقال الحسين: يا ابن عم! والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير. فقال له: فإن كنت ولا بد سائراً فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه، إلى أن قال: فوالله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع علي وعليك الناس أطعتني واقمت لفعلت ذلك[18]. وهكذا نجد أن محاولات ابن عباس لم تجد في إقناع الحسين على الرغم من أنه أظهر له ـ لما علم تصميمه على عدم رضاه بيزيد وضرورة العمل على تغييره ـ أنه لا يقف عند فكرة الحسين تماماً، ولكنه يوضح له عوامل فشل ما هو سائر لتحقيقه، ويطرح له البدائل التي ربما تكون أقرب لتحقيق ما يصبو إليه، وذلك بالانتظار حتى يقوم أهل العراق بالسيطرة التامة على إقليمهم ويحرروه من سلطان بني أمية وهو يدرك أنهم عاجزون عن ذلك فبالتالي هم عاجزون عن حماية الحسين أو أن يذهب إلى اليمن ويعمل بما أرشده إليه فإن عوامل النجاح فيه أكثر وعوامل الفشل فيه أقل من رحيله إلى العراق ولعل ابن عباس قد لا يريد للحسين لا هذا ولا ذاك ولكن أراد تأخير الحسين عن اتخاذ تلك الخطوة السريعة بخروجه إلى العراق والتي لا ينفع معها تدارك الأمر، أما لو اقتنع برأي ابن عباس من الانتظار حتى يتهيأ له الأمر في العراق، أو يعدل عنه إلى اليمن وهذا سيأخذ وقتلاً طويلاً لترتيب الأمور هناك، وبهذا أو ذاك فإنه يمكن أن يكون لعامل الوقت أثر في حل الوضع وإطفاء الفتنة[19] . ويفهم من كلام ابن عباس بأنه لا يخالف الحسين في خروجه على يزيد من الناحية الشرعية، ولكن كان يخالفه من الناحية الاستراتيجية فكان يرى ألا يخرج الحسين للعراق حتى يتأكد من قوة شيعته وأنصاره هناك، وأن الأمويين لم يعد لهم نفوذ، وإلا فإن اليمن بعيدة عن النفوذ الأموي وله فيها أنصار، وبها أماكن كثيرة للتخفي، حتى يتمكن من جمع القوى الكافية لمقاومة الأمويين[20].
ت ـ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فقد نصح الحسين رضي الله عنه في أكثر من موقف، فحين بلغه خروج ابن الزبير والحسين إلى مكة رافضين بيعة يزيد لقيهما وقال: أذكركما الله إلا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس وتنظران، فإن اجتمع عليه الناس لم تشذا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان[21]، ولما قدم المدينة وبلغه خروج الحسين لأهل الكوفة لحقه ابن عمر على مسيرة ليلتين فقال: أين تريد؟ قال: العراق، ومعه طوامير وكتب، فقال: لا تأتهم قال: هذه كتبهم وبيعتهم. فقال: إن الله خير نبيه بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه، لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا فأبى، فاعتنقه ابن عمر، وقال: استودعك الله من قتيل[22]. وكان ابن عمر يقول بعد ذلك: غلبنا الحسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له ألا يتحرك ما عاش وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير[23].
ج ـ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: اتهمته بعض الروايات الضعيفة أنه أحد المتسببين في إقناع الحسين بالخروج إلى الكوفة هو نفسه ثبت عنه بأنه قد أسدى النصائح للحسين، وحذره من مغبة مغادرة مكة والذهاب إلى الكوفة وقد نصح الحسين قائلاً: أين تذهب إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك، فقال له الحسين لإن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن تستحل بي ـ يعني مكة[24]...
          وقد نظر بعض الصحابة إلى العمل الذي سيقدم عليه الحسين بأنه في حقيقته خروج على الإمام صاحب البيعة، كما نظروا إلى خروج الحسين وما يحمله خروجه على أنه نذر شر وبلاء على الأمة مهما كانت النتائج لأي من الطرفين[25] منهم:
ح ـ أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : حيث قال: غلبني الحسين على الخروح وقد قلت له: اتق الله في نفسك والزم بيتك، ولا تخرج على إمامك[26].
خ ـ وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: كلمت حسيناً فقلت له اتق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض فوالله ما حمدتم ما صنعتم فعصاني[27] ولم تتوقف المحاولات الهادفة بين الحسين وبين خروجه إلى الكوفة فكتب إليه ابن جعفر:
ر ـ عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: كتب إلى الحسين وأرسل كتابه مع ابنيه محمد وعون: أما بعد، فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإني مشفق عليك من الوجه التي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك[28]، ولكن الحسين رفض الرجوع وهنا ظن عبد الله بن جعفر أن سبب خروج الحسين هو خوفه من الوالي عمرو بن سعيد بن العاص، فذهب إلى عمرو بن سعيد بن العاص وطلب منه أن يكتب كتاباً إلى الحسين يؤمنه فيه ويعده بالخير، وكان رد عمرو بن سعيد أن قال لعبد الله بن جعفر: اكتب ما شئت وائت به أختمه[29]. فكتب ابن جعفر" بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي، أما بعد، فإني أسأل الله أن يصرفك عما يبوقك، وأن يهديك لما يرشدك، بلغني أنك قد توجهت إلى العراق، وإني أعيذك بالله من الشقاق، فإني أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر، ويحي بن سعيد، فأقبل إليّ معهما، فإن لك عندي الأمان والبر والصلة وحسن الجوار لك، والله بذلك شهيد وكفيل، ومراع ووكيل، والسلام عليك[30]، ولكن الحسين رضي الله عنه رفض هذا الرجاء أيضاً وواصل مسيره.
ز ـ أبو واقد الليثي رضي الله عنه: فقد روي عنه أنّه قال: بلغني خروج الحسين، فأدركته بملل، فناشدته الله ألا يخرج، فإنّه يخرج في غير وجه خروج، إنما يقتل نفسه، فقال: لا أرجع[31].
د ـ عمرة بنت عبد الرحمن: فقد كتبت إليه تعظّم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة، وتخبره أنّه إنّما يساق إلى مصرعه[32].
ذ ـ أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: يا ابن عَمِّ إن الرحم تظأرُني[33] عليك وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك؟ قال: يا أبا بكر ما أنت ممن يُستغشُّ ولا يُتَّهمُ، فقل. قال: قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك، وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا، فيُقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره فأُذكِّرك الله في نفسك. فقال: جزاك الله يا ابن عمِّ خيراً، ومهما يقضي الله من أمر يكن. فقال أبو بكر: إنا لله عند الله نحتسب أبا عبد الله[34].
س ـ عبد الله بن مطيع فقد قال: إني فداك أبي وأمي! متعنا بنفسك، ولا تسر إلى العراق، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنا خولا وعبيداً[35].
ش ـ سعيد بن المسيب: فقد نقل عنه الذهبي أنه قال: لو أن الحسين لم يخرج لكان خيراً له[36].
ك ـ عمرو بن سعيد بن العاص: فقد كتب إليه يقول: إني أسأل الله أن يلهمك رشدك وأن يصرفك كمّا يرديك، بلغني أنك قد اعتزمت على لشخوص إلى العراق، فإني أعيذك بالله من الشّقاق[37].
و ـ الفرزدق: فقد لقيه بالصّفاح[38]، فسأله الحسين عمّا وراءه فقال: أنت أحب النّاس إلى النّاس، والقضاء في السماء، والسيوف مع بني أمية[39]. وفي خبر آخر قال أنّه قال: قلت له: يخذلونك، لا تذهب إليهم فلم يطعني[40].
        هذه أقوال الصّحابة والتّابعين في موقفهم من خروج الحسين، وهذه فلسفتهم في هذه القضية، الهامّة، فهم لم يبايعوا يزيد لأنّهم يرونه أفضل من غيره من الصّحابة والتّابعين، ولكنهم فعلوا ذلك درءاً لمفسدة التّفرق والاختلاف بين المسلمين، ودليل ذلك ما رواه خليفة بن خياط وابن سعد، عن داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن قال: دخلنا على رجل من أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم، حين استخلف يزيد بن معاوية، فقال: أتقولون إن يزيد ليس بخير أمة محمد، لا أفقه منها فقهاً، ولا أعظمها فيها شرفاً؟ قلنا. نعم. قال: وأنا أقول ذلك، ولكن ـ والله ـ لأن تجتمع أمة محمد أحب إليَّ من أن تفترق أرأيتم باباً لو دخل فيه أمة محمد وسعهم، أكان يعجز عن رجل واحد لو دخل فيه؟ قلنا: لا. قال: أرأيتم لو أن أمّة محمد قال كل رجل منهم: لا أهريق دم أخي، ولا آخذ ماله، أكان هذا يسعهم؟ قلنا: نعم. قال: فذلك ما أقول لكم[41]، ومن الملاحظ إجماع كل من نصح الحسين ـ حتى من لم ير بأساً برفضه البيعة ـ على أن لا يخرج للعراق ولا يثق في أهل الكوفة، فقد كتب إليه المسور بن مخرمة رضي الله عنه بأن لا يغتر بكتب أهل العراق، ونصحه بأن لا يبرح الحرم فإن كانت لهم حاجة فسيضربون إليه آباط الإبل حتى يوافوه فيخرج في قوة وعدة[42]. ومما يلفت الانتباه ـ زيادة على إجماع الناصحين للحسين على خيانة أهل الكوفة ووجوب عدم الثقة بوعودهم ـ كذلك يلفت الانتباه إجماعهم في توقعهم لمقتل الحسين كما يبدو ذلك من أسفهم عليه وكلمات التوديع له. وما ذلك إلا دليل على معرفة أولئك الناصحين من العلماء بالأوضاع، ووعيهم لما سبق من أحداث جرت إبان الفتنة بين علي ومعاوية عرفوا من خلالها الدوافع والأهواء التي تدفع ببعض الأقوام للاستفادة من إثارة الإحن ودوام الفتن[43].

رابعاً : موقف يزيد من أحداث الكوفة:
          لما تأكد ليزيد تصميم الحسين على الاستجابة لدعوة أهل الكوفة، كتب لإبن عباس لأنه شيخ بني هاشم في عصره وعالم المسلمين قائلاً، ونحسب أن رجالاً أتوه من المشرق فمنّوه الخلافة، فإنهم عندك منهم خبرة وتجربة، فإن كان فعل فقد قطع وشائج القرابة وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة[44] ثم كتب بهذه الأبيات إليه وإلى مكة والمدينة من قريش:
                                      يا أيها الراكب الغادي لطيته
                                                                   على عُذَاقِرةِ في سيرها قحم
                                      أبلغ قريشاً على نأي المزار بها
                                                                   بيني وبين حسين الله والرحم
          إلى أن قال:



                                      يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ خمدت
                                                                   وأمسكوا بجبال السلم واعتصموا
                                      لا تركبوا البغي إن البغي مصرعه
                                                                   وإن شارب كأس البغي يتخم
                                      فقد غرّت الحرب من كان قبلكم
                                                                   من القرون وقد بادت بها الأمم
                                      فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخاً
                                                                   قرب ذي بذخ زلت به القدم[45]

فكتب إليه ابن عباس: إني لأرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به الألفة وتطفي بها الثائرة[46].
وفي تلك الأثناء كانت الأحداث تتسارع، وذلك بعدما أخذ الشيعة يختلفون على مسلم بن عقيل ويبايعونه وعندما أحس النعمان بن بشير الأنصاري والي الكوفة بخطورة الوضع قام فخطب في الناس وقال: اتقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة فإن فيها يهلك الرجال، وتسفك الدماء وتغصب الأموال وقال: إني لم أقتل من لم يقاتلني ، ولا أثب على من لا يثب علي، لا أشاتمكم ولا أتحرش بكم، ولا آخذ بالقرف ولا الظنة والتهمة، ولكن إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فوالله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن لي منكم ناصر، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل[47].
          وأشارت سياسة النعمان بن بشير رضي الله عنه مع أنصار الحسين حفيظة الناصحين للأمويين، وأحد الموالين لهم في الكوفة وهو عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي، حليف بني أمية، فقام إلى النعمان بن بشير وبين له أن طريقته هذه إنما هي طريقة المستضعفين وأنه يجب عليه أن ينهج سياسة البطش والقوة حيال المتربصين بأمن الكوفة، ولكن رد النعمان بن بشير رضي الله عنه كان واضحاً بأنه يراقب الله في سياسته[48]
          ولم تعجب يزيد سياسة النعمان فعزله من ولاية الكوفة وعين بدله عبيد الله بن زياد وكتب إليه: إن شيعتي من أهل الكوفة كتبوا إليّ يخبروني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة، حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام[49]، وغادر ابن زياد البصرة بعد أن اتخذ عدة إحتياطات خوفاً من حدوث إضطرابات وأناب عنه أخوه عثمان بن زياد على البصرة[50] ثم خرج من البصرة ومعه وجوه أهل البصرة أمثال مسلم بن عمرو الباهلي، وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته[51]. وأقبل ابن زياد إلى الكوفة ودخلها متلثماً والناس قد بلغهم إقبال الحسين إليهم، فهم ينظرون قدومه، فظنوا حين قدم عبيد الله أنه الحسين بن علي، فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا: مرحباً بك يا ابن رسول الله، قدمت خير مقدم، فلما أكثروا عليه صاح فيهم مسلم بن عمرو وقال: تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد فلما نزل في القصر نودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم ثم خطبهم ووعد من أطاع منهم خيراً وتوعد من خالف وحاول الفتنة منهم شراً[52].

خامساً : عبيد الله بن زياد وخطواته للقضاء على مسلم بن عقيل وأنصاره:
1 ـ اختراق تنظيم مسلم بن عقيل:
          حرص عبيد الله بن زياد على جمع المعلومات بواسطة جواسيسه على الفئات المعارضة واستطاع أن يخترق أتباع مسلم بن عقيل وقد كلّف أحد رجاله بهذه المهمة فأعطاه مبلغاً من المال وكان الرجل من أهل الشام يقال له معقلاً وكان مقدار المبلغ ثلاثة آلاف درهم وقال: خذ هذا المال، وانطلق فالتمس مسلم بن عقيل، وتأتّ له بغاية التأتي[53]، فانطلق الرجل حتى دخل المسجد الأعظم، ثم نظر إلى رجل يكثر الصلاة إلى سارية من سواري المسجد، فجلس الرجل حتى إذا انفتل[54] من صلاته، فدنا منه وجلس، فقال: جعلت فداك إني رجل من أهل الشام مولى لذي الكلاع، وقد أنعم الله علي بحب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب من أحبهم، ومعي هذه الثلاثة الآلاف درهم، أحب إيصالها إلى رجل منهم، بلغني أنه قدم هذا المصر داعية للحسين بن علي، فهل تدلني عليه لأُوصل هذا المال إليه؟ ليستعين به على بعض أموره ويضعه حيث أحب من شيعته قال له الرجل: وكيف قصدتني بالسؤال عن ذلك دون غيري ممن هو في المسجد قال: لأني رأيت عليك سيما[55] الخير فرجوت أن تكون ممن يتولى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له الرجل: ويحك قد وقعت عليّ بعينك، أنا رجل من إخوانك، واسمي مسلم بن عوسجة، وقد سُرِرت بك وساءني ما كان من حسي قبلك فإني رجل من شيعة أهل هذا البيت، خوفاً من هذا الطاغية ابن زياد، فأعطني ذمة الله وعهده أن تكتم هذا عن جميع الناس فأعطاه من ذلك ما أراد، واستطاع الشامي في نهاية المطاف الوصول إلى مسلم بن عقيل، فكان يغدو إلى مسلم بن عقيل فلا يحجب[56] عنه، فيكون نهاره كله عنده فيتعرّف جميع أخبارهم، فإذا أمسى وأظلم عليه الليل دخل على عبيد الله بن زياد، فأخبره بجميع قصصهم، وما قالوا وما فعلوا في ذلك، وأعلمه نزول مسلم بن عقيل في دار هاني بن عروة[57]. وهكذا استطاع ابن زياد أن يعرف أخبار مسلم بن عقيل وتحركاته[58].

2 ـ سجن هانيء بن عروة:
          كان محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة يدخلون على ابن زياد مُسَلّمين، فقال لهما: ما فعل هانيء بن عروة؟ فقالا أيها الأمير، إنه عليل[59] منذ أيام فقال ابن زياد: وكيف. بلغني أنه يجلس على باب داره عامّة نهاره، فما يمنعه من إتياننا وما يجب عليه في حق التسليم؟ قالا: سنعلمه ذلك، ونخبره باستبطائك إياه فخرجا من عنده، وأقبلا حتى دخل على هانيء بن عُروة، فأخبراه بما قال لهما ابن زياد، وما قالا له، ثم قالا له: اقسمنا عليك إلاّ قمت معنا إليه الساعة لَتُسلُ سخيمة[60] قلبه. فدعا ببغلته فركبها ومضى معهما، حتى إذا دنا من قصر الإمارة خبُثت[61] نفسه فقال لهما: إن قلبي قد أوجس[62] من هذا الرجل خيفة. قالا: ولم تحدث نفسك بالخوف وأنت بريء الساحة؟
          فمضى معهما حتى دخلوا على ابن زياد، فأنشأ ابن زياد يقول متمثلاً:
                                      أريد حياته ويريد قتلي
                                                                   عَذِيرَك من خَلِلِكَ من مراد

قال: هانيء وما ذاك أيها الأمير؟
          قال ابن زياد: وما يكون أعظم من مجيئك بمسلم بن عقيل وإدخالك إياه منزلك، وجمعك له الرجال ليبايعوه؟ فقال هانيء: ما فعلت وما أعرف من هذا شيئاً فدعا ابن زياد بالشامي، وقال: يا غلام، ادع لي معقلاً. فدخل عليهم. فقال: ابن زياد لهانيء بن عروة: أتعرف هذا؟ فلما رآه علم أنه إنما كان عيناً عليهم. فقال هانيء: أصدُقُك والله أيها الأمير، وإني والله ما دعوت مسلم بن عقيل وما شعرت به، ثم قصّ عليه قصّته على وجهها. ثم قال: فأمّا الآن فأنا مخرجه من داري لينطلق حيث يشاء، وأعطيك عهد وثيقاً أن أرجع إليك. قال ابن زياد" لا والله لا تفارقني حتى تأتيني به. فقال هانيء: أو يجمل بي أن أسلم ضيفي وجاري للقتل والله لا أفعل ذلك أبداً. فاعترضه ابن زياد بالخيزرانة، فضرب وجهه، وهشم[63] أنفه،، وكسر حاجبه، وأمر به فأدخل بيتاً[64]. فبلغ الخبر عمرو بن الحجاج الزبيدي أن هانئاً قد قتل، فأقبل في قبيلة مذجح، وأحاط بالقصر، ونادى بأنه لم يخلع الطاعة، وإنما أراد الاطمئنان إلى سلامة هانيء، فأمر ابن زياد القاضي شريح بأن يدخل على هانيء، وينظر إليه ويخبرهم أنه حي. ففعل[65]. فقال لهم سيدهم عمروبن الحجّاج: أما إذا كان صاحبكم حياً فما يعجلكم الفتنة؟ انصرفوا فانصرف.
3 ـ استخدام ابن زياد للأشراف للقضاء على تمرد الكوفة:
          لما بلغ مسلم بن عقيل خبر ضرب وجه هانيء بن عروة، أمر أن ينادي في أصحابه الذين بايعوه، واستخدم كلمة السر وهي: يا منصور أمت، فتنادى أهل الكوفة فاجتمعوا إليه وكان عدد الذين حصروا أربعة آلاف رجل[66]، فعقد مسلم لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كنده وربيعة، وأمره أن يسير أمامه بالخيل، ثم عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذجح وأسد وأمّره على الرجّالة، وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان، وعقد لعباس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة، ثم قدم نحو القصر، ولما بلغ ابن زياد إقباله تحرّز وتمنّع بالقصر[67]، وكان ابن زياد يملك قدراً كبيراً من الدهاء والمكر والخداع، حيث أنه بمجرد دخوله القصر جمع وجوه الكوفة واحتفظ بهم عنده حتى يكونوا وسيلة ضغط مهمة عنده ستثمر عن نتائج إيجابية جداً لصالح ابن زياد[68]. وتقدم مسلم بهذه الجموع، صوب قصر الإمارة التي يتحصن بها ابن زياد، وهنا طلب ابن زياد من أشراف الناس وزعماء الكوفة الذين معه أن يعظوا الناس ويخذلوهم ويخوفونهم بقرب أهل الشام وصار هؤلاء الأمراء والزعماء يثبطون الناس، ويذكرونهم بالسلامة والأمن، وأنهم إن لم ينصرفوا سيحرمون من العطاء، وسيساقون إلى الثغور وسينالهم العقاب الشديد[69]، ولم يكن التثبيط مقصوراً على الأمراء فقط، بل إن النساء كان لهن دوراً كبيراً في إضعاف عزيمة المناصرين لمسلم، إضافة إلى الآباء وكبار السن فقد كان لهم نفس الدور. وكانت المرأة تأتي أبنها وأخاها وتقول: انصرف، الناس يكفونك، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر انصرف[70]. وأخذت هذه الحرب النفسية التي جوبه بها المؤيدون لمسلم بن عقيل من التهويل والتخويف تعمل عملها بين صفوف الناس، فبدأوا ينصرفون عن مسلم بن عقيل وأخذ العدد يتضاءل سريعاً حتى أنه لما قرب المساء لم يبقى مع مسلم بن عقيل إلا عدداً بسيطاً يتراوح بين الثلاثمائة والخمسمائة رجل[71]، وكان غالبية الذين بقوا مع مسلم بن عقيل من مذجح فأمر ابن زياد، عبيد الله بن كثير بن شهاب الحارثي أن يخرج فيمن أطاعه من مذجح ويسير بالكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل، ويخوفهم بالحرب وعقوبة السلطان[72]، ثم أمر ابن زياد محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كنده وحضرموت ويرفع راية الأمان لمن يأته من الناس وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي، وشبت بن ربعي التميمي وحجار بن أبجر العجلي، وشمر بن ذي الجوشن العامري، وأبقى سائر وجوه الناس معه[73] وأمام هذه الإجراءات السريعة من ابن زياد، وأمام الشد النفسي الذي نازع غالبية من انضموا إلى مسلم بن عقيل أخذ هذا العدد يتضاءل حتى وصل إلى ستين رجلاً[74]، ثم حدثت معركة بين مسلم وأتباعه وبين ابن الأشعث، والقعقاع بن شور، وثبت بن ربعي عند الرحبة، ويبدو أن هذه المعركة لم تدم طويلاً عندما تنبه القعقاع بن شور إلى أن المقاتلين إنما يقاتلون لأجل النجاة، عند ذلك أمر بإفساح الطريق لهم، فهربوا نحو المسجد، ولما أمسى المساء تفرق الناس، وبقي مسلم بن عقيل وحيداً في طرقات الكوفة[75].
4 ـ القبض على مسلم بن عقيل وقتله:
          أصبح مسلم بن عقيل وحيداً يتردد في طرق الكوفة، فأتى بيتاً فخرجت إليه امرأة، فقال: اسقني، فسقته، ثم دخلت، ومكثت ما شاء الله، ثم خرجت، فإذا به على الباب، فقالت: ياهذا، إن مجلسك مجلس ريبة، فقم، فقال: أنا مسلم بن عقيل، فهل عندك مأوىً؟ قالت: نعم فادخلته، وكان ابنها مولى لمحمد بن الأشعث، فانطلق إلى مولاه فأعلمه، فبعث عبيد الله الشُّرَط إلى مسلم، فخرج وسل سيفه، وقاتل فأعطاه ابن الأشعث أمانً فسلمّ نفسه[76]، وفي الطريق نحو ابن زياد بكى مسلم فقيل له: إن من يطلب مثل ما تطلب لا يبكي إذا نزل به مثل الذي نزل بك. قال: إني والله ما لنفسي أبكي  ومالها من القتل أرثي وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفاً، ولكني أبكي لأهلي المقبلين إلى الكوفة، أبكي حسيناً وآل الحسين. وأقبل مسلم على محمد بن الأشعث فقال: يا عبد الله، إني والله أراك ستعجز عن أماني، فهل عندك خير تستطيع أن تبعث رجلاً على لساني يبلغ حسيناً عني رسالة؟ فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم أو غداً هو وأهل بيته، وإن ما تراه من جزعي لذلك، فتقول: إن ابن عقيل بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير لا يدري أيصبح أم يمسي حتى يقتل، وهو يقول لك: ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة، فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل، إن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي. فقال محمد بن الأشعث: والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد أني قد أمنتك ودعا ابن الأشعث إياس بن العباس الطائي، وقال له: اذهب فالق حسيناً فأبلغه هذا الكتاب، ثم أعطاه راحلة وتكفل له بالقيام بأهله وداره[77]، وأدخل محمد بن الأشعث مسلم بن عقيل على ابن زياد، وأخبره بما أعطاه من الأمان، فقال ابن زياد: ما بعثناك لتؤمنه ولم يقبل أمانه[78]، واستسقى مسلم وهو بباب القصر، فجاءه عمار بن عقبة بماء بارد، ولكنه لم يستطع أن يشرب لما كان يختلط به من دمه فتركه ودخل على بن زياد فقال له: إني قاتلك. قال: كذلك؟ قال: نعم. قال: فدعني أوصي إلى بعض قومي، قال: أوصي: فنظر مسلم في جلسائه وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقال: عمر، إن بيني وبينك قرابة، ولي إليك حاجة، وهي سر، فقم معي إلى ناحية القصر حتى أقولها لك، فأبى أن يقوم معه حتى أذن له ابن زياد، فقام فتنحى قريباً من ابن زياد، فقال له مسلم: إن علي ديناً في الكوفة سبعمائة درهم، فأقضها عني، واستوهب جثتي من ابن زياد فوارها، وابعث إلى الحسين، فإني كنت قد كتبت إليه أن الناس معه، ولا أراه إلا مقبلاً, فقام عمر، فعرض على ابن زياد ما قال له: فأجاز ذلك كله، وقال: أما حسين فإنه لم يردنا ولا نرده، وإن أرادنا لم نكف عنه ثم أمر ابن زياد بمسلم بن عقيل، فأصعد إلى أعلى القصر، وهو يكبر ويهلل ويسبح ويستغفر ويصلي على ملائكة الله ويقول: اللهمّ أحكم بيننا وبين قوم غرونا وخذلونا، ثم ضرب عنقه رجل يقال له: بكير بن حمران ثم ألقى رأسه إلى أسفل القصر، وأتبع رأسه بجسده[79].
5 ـ قتل هانيء بن عروة:
          واتخذ ابن زياد إجراءً يدل على قسوته وجبروته وظلمه، فقد أمر بهانيء فأخرج إلى السوق وقتل وظل هانيء يصيح لقبيلته مذحج  ولكن لم ينصره أحد، ثم صلب هانيء ومسلم في سوق أمام الناس[80]، ثم أمر بضرب أعناق اثنين من الذين كانوا يخططون لنصر مسلم بن عقيل وصلبهما في السوق أيضاً[81]. وكان في وسع ابن زياد أن يرسل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة إلى الخليفة بدمشق، وربما يسجنون أو يعفى عنهم فيما بعد بدلاً من أراقة الدماء وإيجاد الإحن والعداوات بين المسلمين. وقد برهن ابن زياد على بطش الدولة وعسفها وأنها لا تبالي إلا بالحفاظ على سلطانها مهما كلفها ذلك من سفك الدماء ويبدو أن مسلماً ـ رحمه الله ـ لم يكن بالسياسي المحنك الذي ينظر للمستقبل بحذر، ويزن الأمور بميزان الوقائع السابقة ويقيس الأحداث القائمة على نظيراتها الماضية لهذا غرّه تكاثر المبايعين، وبكاؤهم بين يديه ووعودهم الموثقة بنصرة الحسين فأسرع وكتب إلى الحسين يستقدمه، ويحثه على سرعة الحضور فقد تمهدت له البيعة والحضور[82]. فالعواطف وحدها لتكفي في قلب الأنظمة وإزالة الدول، فلا بد من القيادة الراشدة، والتنظيم المحكم، والتخطيط البعيد، وتوثيق الأفراد، والأعداد المعنوي والمادي معاً جنباً إلى جنب، ونستطيع أن نقول بأن ما اعتمد عليه مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة من حسابات كانت خاطئة وغير صحيحة، فقد ظن مسلم بن عقيل إن العاطفة المحركة لكثير من العامة هي السبيل الوحيد للنصر ولم يأخذ في الاعتبار تأييد زعماء الكوفة أو الاتصال بهم، ولم يحاول مسلم بن عقيل أن ينظم تلك الجموع، وفق اختصاصات معينة تسيطر عليها منظمة سرية تستطيع أن تتحرك في الخفاء وبدون قيود، كما أنه أخفق في توظيف الإمكانات التي توفرت له، حيث أن العاطفة المسيطرة على المجتمع الكوفي كفيلة بأن تقلب الأمور لصالحه وذلك بعد إرادة الله، فيما لو استخدمت وأرشدت تلك العاطفة إرشاداً صحيحاً مميزاً، ونجد الطرف الآخر النصير وهو هانيء بن عروة والذي يعتبر من أبرز الناس الذين أيدوا مسلماً وناصروه اعتمد على قوة وكثرة قبيلته، وظن أنه بمنأى عن العقاب وذلك باعتباره زعيماً لمراد التي ذكر المؤرخون أنه كان يركب في أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل، وإذا انضاف لهذه القبيلة أحلافها من كندة بلغ العدد ثلاثين ألف دارع، سوى الرجالة[83]، ولكن حسابات هانيء بن عروة كانت خاسرة، فالناس قد ضعفت بينهم الروابط القديمة التي تعتبر فيها القبيلة محور الارتكاز، وزعيم القبيلة هو القائد المهيمن الذي ينصاع لأوامره الجميع بدون تردد وكان لتقسيمات الأرباع في ولاية زياد بن أبيه أثر في هذا الضعف، كما أن نظام العطاء ربط مصالح القبائل بالسلطة الأموية، لقد كانت الحسابات التي ارتكز عليها هانيء والتي اعتمد فيها على القبيلة قد أثبتت خسارتها[84]، وممّا قيل من الشعر في مقتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة:
                                      فإن كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري
                                                                             إلى هانيء في السُّوقِ وابن عقيل
                                      أصابهما أمـر الإمــام فأصـبحا
                                                                             أحاديث من يسعى بكل سبيل
                                      إلى بطل قـد هَشَّم السـيف وجهه
                                                                             وآخر يَهـوِي من طمار[85] قتيل
                                      ترى جسداً قـد غيَّر المـوت لـونه
                                                                             ونضح دمٍ قد سال كلَّ مَسيلٍ
                                      فـإن أنتم لـم تثـأَروا بأخيـكم
                                                                             فكونوا بغيـا أُرضيت بقليل[86]

سادساً : وصول خبر مقتل مسلم بن عقيل للحسين ، وملاقاته طلائع جيش بن زياد :
          خرج الحسين رضي الله عنه من مكة يوم التروية الموافق لثمان من ذي الحجة سنة ستين، أدرك والي مكة عمرو بن سعيد بن العاص خطورة الموقف فأرسل وفداً إلى الحسين وعلى رأسهم أخوه يحي بن سعيد بن العاص فحاولوا أن يثنوه عن عزمه ولكنه رفض فنادوه: يا حسين، ألا تتقي الله تخرج عن جماعة المسلمين وتفرق بين هذه الأمة، فردَّ الحسين قول الله تعالى: ((لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ((يونس ، الآية : 41). فخرج الحسين متوجهاً إلى العراق في أهل بيته وستين شيخاً من أهل الكوفة[87]. وكتب مروان بن الحكم إلى ابن زياد: أما بعد فإن الحسين بن علي قد توجه إليك، وهو الحسين بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتالله ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسين، وإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء ولا ينساه العامة، ولا يدع ذكره، والسلام عليك[88]، وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص ينهاه عن التعرض للحسين ويأمره بأن يكون حذراً في تعامله مع الحسين: قائلاً له: أما بعد فقد توجه إليك الحسين وفي مثلها تعتق أو تعود عبداً تسترق كما يسترق العبيد[89]. وفي الطريق إلى الكوفة قابل الحسين الفرزدق الشاعر المشهور بذات عرق[90]. فسأله الحسين بن علي عن تصوره لما يقوم به أهل الكوفة حياله، ثم أراد أن يعطي الفرزدق إيضاحاً أكثر وقال: هذه كتبهم معي، فرد عليه الفرزدق: يخذلونك فلا تذهب فإنك تأتي قوماً قلوبهم معك وأيديهم عليك[91]. وعندما علم يزيد بن معاوية بخروج الحسين من مكة واتجاهه للكوفة، كتب إلى ابن زياد يحذره ويقول: بلغني أن حسيناً قد سار إلى الكوفة وقد ابتلى به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلاد وابتليت به من بين العمال وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد[92].
1 ـ ابن زياد يتخذ التدابير الأمنية:
          اتخذ ابن زياد بعض التدابير لكي يحول بين أهل الكوفة وبين الحسين، ويحكم سيطرته على الكوفة، فقام بجمع المقاتلة وفرق عليهم العطاء حتى يضمن ولاءهم[93]. ثم بعث الحصين بن تميم الطهوي صاحب شرطته حتى نزل بالقادسية، وقام بتنظيم الخيل ما بين القادسية إلى خفضان[94]، وما بين القادسية إلى القطقطان[95]، وإلى لعلع[96]. ثم أصدر أوامره إلى الحسين بن تيم بأن يقبض على كل من ينكره[97]، ثم أمر ابن زياد بأخذ كل من يجتاز بين واقصة[98] إلى طريق الشام ، إلى طريق البصرة فلا يترك أحد يلج ولا يخرج[99]، وأراد ابن زياد من الإجراء الأخير قطع الاتصال بين أهل الكوفة وبين الحسين بن علي ومضى الحسين بن علي في طريقه إلى الكوفة ولم يكن يعلم بتلك التغيرات التي حدثت في الكوفة بعد خروجه من مكة ولما بلغ الحاجز من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة وكتب معه إليهم برسالة يخبرهم فيها بقدومه[100] ولكن الحصين بن تميم قبض على قيس بن مسهر مبعوث الحسين حين وصوله إلى القادسية[101]. ثم بعث به إلى ابن زياد فقتله مباشرة[102]. ثم بعث الحسين مبعوثاً إلى مسلم فوقع في يد الحصين بن تميم وبعث به إلى ابن زياد فقتله[103]، وكانت لتلك الإجراءات الصارمة التي اتخذها ابن زياد أثر كبير على نفوس أتباع الحسين، فهم يرون أن من كان له علاقة بالحسين فإن مصيره القتل وعلى أبشع صوره، فأصبح من يفكر في نصرة الحسين فإن عليه أن يتصور نهايته على ذلك النحو المؤلم[104]، وكان الحسين رضي الله عنه يحس أن الأمور تسير سيراً غير طبيعي في الكوفة وخاصة عندما أخبره الأعراب أن أحداً لا يلج ولا يخرج من الكوفة مطلقاً[105]. واستمر التحذير من بعض رجال القبائل العربية الذين مرّ بهم، وبينوا له ذلك الخطر الذي يقدم عليه، ولكن الحسين كان يدلل على نجاح مهمته بالإشارة إلى ذلك العدد الهائل من أسماء المبايعين التي كانت بحوزته[106]، ولما بلغ الحسين زبالة[107]، وقيل شراف[108] جاءه خبر مقتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة وعبد الله بن بقطر، إضافة إلى تخاذل أهل الكوفة عن نصرته[109]. وكان لهذا الخبر المفجع المؤلم وقعه الشديد على الحسين رضي الله عنه، فهؤلاء أقرب الناس إليه قد قتلوا والشيعة في الكوفة تخاذلوا في نصرته[110].
2 ـ الحسين يعطي الأذن لأصحابه بالإنصراف:
          لما بلغ الحسين مقتل ابن عمه مسلم بن عقيل وتخاذل الناس عنه أعلم الحسين من معه بذلك، وقال من أحب أن ينصرف فلينصرف فتفرق الناس عنه يميناً وشمالاً[111]، وقال له بعض من ثبتوا معه: ننشدك الله إلا ما رجعت من مكانك، فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة، بل نتخوف أن يكونوا عليك. فوثب بنو عقيل إخوة مسلم ـ وقالوا: والله لا نبرح حتى ندرك ثأرنا أو نذوق كما ذاق مسلم[112].
3 ـ ملاقاة الحر بن يزيد التميمي ومعه طلائع جيش الكوفة:
          انصرف الناس عن الحسين ـ رضي الله عنه ـ فلم يبق معه إلا الذين خرجوا معه من مكة، واستمر في سيره حتى بلغ شراف وهناك أمر فتيانه أن يستقوا ويكثروا، ثم سار حتى إذا كان منتصف النهار كبَّر رجل من أصحابه، فقال الحسين: الله أكبر ما كبّرت؟ قال الرجل رأيت النخل، فقال رجلان، إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط فقال الحسين: فما تريانه رأى؟ قالا: نراه رأى هوادي الخيل فقال الرجل وأنا والله أرى ذلك[113]... وبالفعل كانت طلائع خيل ابن زياد عليها الحر بن يزيد وكان عددها ألف فارس وقد أدرك الحر بن يزيد الحسين ومن معه قريباً من شراف. ولما طلب منه الحسين الرجوع منعه وذكر له أنه مأمور بملازمته حتى الكوفة وقام الحسين وأخرج خرجين مملوءة بالكتب التي تطلب منه القدوم إلى الكوفة، فأنكر الحر والذين معه أي علاقة لهم بهذه الكتب[114]، وهنا رفض الحسين الذهاب مع الحر إلى الكوفة وأصر على ذلك.، فاقترح عليه الحر أن يسلك طريقاً يجنبه الكوفة ولا يرجعه إلى المدينة، وذلك من أجل أن يكتب الحر إلى ابن زياد بأمره، وأن يكتب الحسين إلى يزيد بأمره[115]. وبالفعل تياسر الحسين عن طريق العذيب والقادسية واتجه شمالاً على طريق الشام[116]. وأخذ الحر يساير الحسين وينصحه بعدم المقاتلة ويذكّره بالله، وبيّن له أنه إذا قاتل فسوف يقتل[117]، وكان الحسين يصلي بالفريقين إذا حضرت الصلاة[118].
4 ـ ملاقاة عمر بن سعد بن أبي وقاص والمفاوضات:
          ولما وصل الحسين إلى كربلاء أدركته خيل عمر بن سعد ومعه شمر بن ذي الجوشن، والحصين بن تميم[119]، وكان هذا الجيش الذي يقوده عمر بن سعد مكوناً من أربعة آلاف مقاتل وكان وجهة هذا الجيش في الأصل إلى الري لجهاد الديلم، فلما طلب منه ابن زياد أن يذهب لمقاتلة الحسين رفض عمر بن سعد في البداية هذا الطلب، ولكن ابن زياد هدده إن لم ينفذ أمره بالعزل وهدم داره وقتله، وأمام هذا الخيار رضي بالموافقة[120].
          ولما وصل الحسين كربلاء أحاطت به الخيل، ويطلق على المنطقة كلها اسم الطف[121]. وبدأ الحسين بن علي بالتفاوض مع عمر بن سعد، وبيّن الحسين أنه لم يأت إلى الكوفة إلا بطلب من أهلها. وأبرز لعمر بن سعد الدليل على ذلك، واشار إلى حقيبتين كبيرتين تضمن أسماء المبايعين والداعين للحسين، وكتب عمر بن سعد لابن زياد بما سمعه من الحسين وقال: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي، فسألته عما اقدمه وماذا يطلب، فقال: كتب إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم، فسألوني القدوم ففعلت، فأما إذا كرهوني، فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم. فلما قريء على ابن زياد تمثل قول الشاعر:
                                                الآن إذا علقت مخالبنا به
                                                                             يرجو النجاة ولاة حين مناص

ثم كتب ابن زياد لعمر بن سعد: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية وجميع أصحابه فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام. ولما اطلع عمر بن سعد على جواب بن زياد ساءه ما يحمله الجواب من تعنت وصلف، وعرف أن ابن زياد لا يريد السلامة[122]. رفض الحسين هذا العرض، ثم لما رأى جهامة الموقف وخطورته طلب من عمر بن سعد مقابلته[123]، وعرض على عمر بن سعد عرضاً آخر يتمثل في إجابته واحدة من ثلاث نقاط[124].
أ ـ أن يتركوه فيرجع من حيث أتى.
ب ـ وإما أن يتركوه ليذهب إلى الشام فيضع يده في يد يزيد بن معاوية.
جـ ـ وإما أن يسيّروه إلى أي ثغر من ثغور المسلمين فيكون واحداً منهم له ما لهم وعليه ما عليهم[125]. وقد أكد الحسين رضي الله عنه موافقته للذهاب إلى يزيد[126]. وكتب عمر بن سعد إلى ابن زياد بكتاب أظهر فيه أن هذا الموقف المتأزم قد حُلّ، وأن السلام قد أوشك، وما على ابن زياد إلا الموافقة[127]. وبالفعل فقد أوشك ابن زياد أن يوافق ويرسله إلى يزيد، لولا تدخل شمر بن ذي الجوشن الذي كان جالساً في المجلس حين وصول الرسالة فقد اعترض على رأي ابن زياد في أن يرسله إلى يزيد، وبيّن لابن زياد أن الأمر الصائب هو أن يطلب من الحسين أن ينزل على حكمه ـ أي ابن زياد ـ حتى يكون هو صاحب الأمر المتحكم فيه[128]. فلما وصل الخبر إلى الحسين رضي الله عنه رفض الطلب وقال: لا والله لا أنزل على حكم عبيد الله بن زياد أبداً[129]، وقال لأصحابه الذين معه أنتم في حل من طاعتي، ولكنهم أصرّوا على مصاحبته والمقاتلة معه حتى الشهادة[130]، واتخذ ابن زياد إجراءً احترازياً حين خرج إلى النخيلة[131]، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث، وضبط الجسر، ولم يترك أحداً يجوزه، وخاصة أنه علم أن بعض الأشخاص من الكوفة بدأوا يتسللون من الكوفة إلى الحسين[132].

سابعاً : المعركة الفاصلة استشهاد الحسين رضي الله عنه ومن معه:
في صباح يوم الجمعة عام 61هـ نظم الحسين رضي الله عنه أصحابه وعزم على القتال وكان معه اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، فجعل زهير بن القين في ميمنته وحبيب بن مظاهر في الميسرة، وأعطى رايته العباس بن علي، وجعل البيوت وراء ظهورهم، وأمر الحسن بحطب وقصب فجعله من وراء البيوت، وأشعل فيه النار مخافة أن يأتوهم من خلفهم[133]. وأما عمر بن سعد فقد نظم جيشه، وجعل على الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي ـ بدلاً من الحر بن يزيد الذي انضم إلى الحسين. وجعل على الميسرة شمر بن ذي الجوشن ـ وعلى الخيل عزره بن قيس الأحمسي وعلى الرجال شبت بن ربعي الرياحي، وأعطى الراية ذويداً مولاه[134]. وبدأت المعركة سريعة وكانت مبارزة في بداية الأمر، وجوبه جيش عمر بن سعد بمقاومة شديدة من قبل أصحاب الحسين، حيث أن مقاتلتهم اتسمت بالفدائية فلم يعد لهم أمل في الحياة[135]، وكان الحسين رضي الله عنه في البداية لم يشترك في القتال، وكان أصحابه يدافعون عنه ولما قتل أصحابه لم يجرؤ أحد على قتله، وكان جيش عمر بن سعد يتدافعون ويخشى كل فرد أن يبوء بقتله وتمنوا أن يستسلم، ولكن الحسين رضي الله عنه لم يبد شيئاً من الليونة، بل كان رضي الله عنه يقاتلهم بشجاعة نادرة، عندئذ خشى شمر بن ذي الجوشن من انفلات زمام الأمور فصاح بالجند وأمرهم بقتله، فحملوا عليه، وضربه زرعة بن شريك التميمي ثم طعنه سنان بن أنس النخعي واحتز رأسه[136]، ويقال أن الذي قتله عمرو بن بطار التغلبي، وزيد بن رقاده الحيني[137]، ويقال أن المتولي لإجهاز عليه شمر بن ذي الجوشن الضبي، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي[138]، وكان قتله رضي الله عنه في محرم في العاشر منه سنة إحدى وستين[139]. وقتل مع الحسين رضي الله عنه اثنان وسبعون رجلاً، وقتل من أصحاب عمر ثمان وثمانيون رجلاً[140]، وبعد إنتهاء المعركة أمر عمر بن سعد بأن لا يدخل أحد على نساء الحسين وصبيانه، وأن لا يتعرض لهم أحد بسوء[141]، وأرسل عمر بن سعد برأس الحسين ونساءه ومن كان معه الصبيان إلى ابن زياد[142].
وكان الذين قتلوا مع الحسين رضي الله عنه من آل أبي طالب، فمن أولاد علي بن أبي طالب الحسين نفسه، وجعفر والعباس وأبو بكر ومحمد وعثمان، ومن أولاد الحسين: علي الأكبر غير عليّ زين العابدين لأنه كان عنده علي الأصغر وعلي الأكبر وعبد الله. ومن أبناء ابناء الحسن قتل عبد الله والقاسم وأبو بكر. ومن أولاد عقيل قتل جعفر وعبد الله وعبد الرحمن ومسلم بن عقيل قتل بالكوفة وعبد الله بن مسلم. ومن أولاد عبد الله بن جعفر: قتل عون ومحمد[143]، ثمانية عشر رجلاً كلهم من بيت رسول الله قد قتلوا في هذه المعركة غير المتكافئة، والعجيب في هذه أن ممن قتل بين يدي الحسين بن علي رضي الله عنهما أبو بكر بن علي وعثمان بن علي وأبو بكر بن الحسن ولا تجد لهم ذكراً عندما تسمع أشرطة الشيعة وتقرأ كتبهم التي أُلفت في مقتل الحسين حتى لا يقال إن علي بن أبي طالب سمي أولاده بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان، أو أن الحسن سمي على اسم أبي بكر وهذا أمر عجيب جداً منهم[144]. وعن أنس قال: ولما أُتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين جعل ينكث بالقضيب ثناياه يقول: لقد كان ـ أحسبه جميلاً. فقلت والله لأَسوءنَّك إني رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم[145] حيث يقع قضيبك. قال: فانقبض[146]. وفي رواية البخاري عن أنس قال: أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين فجعله في طست، فجعل ينكث عليه وقال في حسنه شيئاً فقال أنس: إنه كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوباً بالوسمة[147].ولما وصل نساء الحسين وصبيانه صنع بهما ابن زياد أن أمر لهم بمنزل في مكان معتزل فأجرى عليهم الرزق، وأمر لهن بالكسوة والنفقة[148]. وتذكر بعض الروايات التي لها ميول شيعية أن ابن زياد أمر بقتل كل من أنبت، ولعل مما يظهر كذب هذه الروايات حينما تذكر أن علي بن الحسين كشفوا عنه فوجوده قد أنبت، فأمر ابن زياد بقتله ولكن شفاعة أخته زينب وتعلقها به حالت دون قتله[149]، وليس صحيحاً كذلك أن ابن زياد قد أساء معاملة نساء الحسين بعد قتله، أو في ترحيله لهن إلى الشام، فالروايات التاريخية تخبرنا أن أحسن شيء صنعه ابن زياد أنه أمر لهن بمنزل في مكان معتزل، وأجرى عليهن رزقاً، وأمر لهن بنفقة وكسوة[150]، ويقول ابن تيمية في رده على بعض كذابي الشيعة: وأما ما ذكره من سبي نسائه والدوران بهن على البلدان وحملهن على الجمال بغير أقتاب، فهذا كذب، وباطل وماسبى المسلمون ـ ولله الحمد ـ هاشمية قط، ولا استحلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم هاشمية قط، ولكن أهل الهوى والجهل يكذبون كثيراً[151]. بل المرجح أن ابن زياد بعد أن ذهبت عنه نشوة النصر، أحس فداحة خطئه وكان ذلك الشعور هو المسيطر على بعض أفراد أسرته القريبين منه، فقد كانت أمه تقول له: ويلك ماذا صنعت، أو ماذا ركبت[152]. وكان أخوه عثمان بن زياد يقول: لوددت والله أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة، وأن حسيناً لم يقتل: فلا ينكر عليه عبيد الله قوله[153].

ثامناً : مواقف رائعة بجانب الحسين رضي الله عنه:
كانت هناك مواقف رائعة هزت مشاعرنا وقد سطر التاريخ هذه المواقف لأصحابها لكي يتبين للناس أن في كل زمان شخصيات تقف إلى جوار الرجال تقديراً لمقامهم، ورعاية لحرمتهم، وإظهاراً للحق في مقارنة الرجال إذا واجه بعضهم بعضاً، فهم يقدرون الرجال لمكانتهم الاجتماعية ويفضلونهم على غيرهم، لما يتصفون به من العلم والشجاعة والتقوى ولو كان غيرهم هم الحكام والأمراء، فلا الخوف من الحاكم ينسيهم قدر الرجال، ولا ظلم الحكام ينحرف بهم إلى النفاق والمجاملة، ولا المناصب التي يشغلونها تلهيهم عما يجب أن يكونوا عليه من الصراحة والشجاعة الأدبية[154] ومن هذه المواقف:
1 ـ موقف الوليد بن عتبة بن أبي سفيان رحمه الله:
          فقد امتنع عن استخدام الشدة والقسوة مع الحسين والزامه بالقوة أو قتله وقال:... والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت حسيناً سبحان الله، أقتل حسيناً أن قال: لا أبايع والله إني لأظن أمراً يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة[155]. وهكذا يقف الوليد هذا الموقف الرائع، وهو أمير المدينة يومئذ، وهو يعلم تماماً أن ذلك الموقف سيؤدي لا محالة إلى عزله عن إمارة المدينة، بل قد يزيد على ذلك، فيؤدي إلى قتله وهلاكه، وهو مع هذا يفضل هلاك الدنيا وزوال الملك والسلطان، على أن يلقى الله بدم الحسين[156] ـ رضي الله عنه ـ:
2 ـ موقف النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ : وكان أمير الكوفة فإنه بلغه خروج الحسين بن علي رضي الله عنهما ـ ووصول مسلم بن عقيل إلى الكوفة يأخذ البيعة للحسين، قام فخطب في الناس وحذرهم الخروج على الإمام وأرهبهم من السعي في الفتنة، وذكرهم بما يجره على العامة والخاصة من الخراب والدمار ومع ذلك كان ليناً مع الناس، وأخبرهم أنه لن يأخذ أحداً بظنه، ولن يقاتل أحداً لم يقاتله، ولكن شدد في نهاية الخطبة، وقال للناس: ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فوالله الذي لا إله غيره، لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن لي منكم ناصر ومع هذا فقد عاب عليه محبو الأمويين هذا الموقف ووسموه بالضعف، وقالوا: إن هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك رأي المستضعفين فقال: رضي الله عنه: أن أكون من المستضعفين في طاعة الله، أحب إلي من أن أكون من الأعزِّين في معصية الله[157].
          إن رضا الله ـ تبارك وتعالى ـ غاية يضحي المسلم في سبيلها بكل غاية، ويبذل في سبيل الحصول عليها كل غالٍ ونفيس فرضوان الله هو النعمة العظمى التي سيتجلى الله بها على عباده المؤمنين في الجنة[158]، يقول الحق ـ عز وجل: ((وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) (التوبة ، الآية : 72) .
3 ـ موقف الحر بن يزيد رحمه الله: وهو أول من لقي الحسين في جيش الكوفة، وهو الذي حال بينه وبين الرجوع إلى المكان الذي أتى منه، ولكنه مع ذلك كان نبيلاً في معاملته للحسين ـ رضي الله عنه ـ فقد قال له: أنا لم أؤمر بقتالك، ولكني أمرت أن أخرج بك إلى الكوفة إن وجدتك، ولكني أقول لك: اختر مكاناً لا يؤدي بك إلى الكوفة ولا يعود بك إلى المدينة، ثم أكتب بعد ذلك إلى يزيد بن معاوية أو إلى ابن زياد إن شئت ولم يكد يصل الجيش وعلى رأسه عمر بن سعد بن أبي وقاص، وتواجه كلا الفريقين، وتأكد الُحرّ أن الحرب دائرة بينهما لا محالة، قال الحر لعمر بن سعد: أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال عمر؟ إي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي عندئذ ضرب الحر فرسه، وانطلق به نحو الحسين، وانضم إلى جماعته، ثم قال: يا أهل الكوفة، لأمكم الهَبل، أدعوتم الحسين إليكم حتى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، ومنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة الوسيعة التي لا يمنع فيها الكلب والخنزير وحلتم بينه وبين الماء الفرات الجاري الذي يشرب منه الكلب والخنزير، وقد صرعهم العطش؟ بئس ما خلفتم محمداً في ذريته، لأسقاكم الله يوم الظمأ الأكبر إن لم تتوبوا وتتراجعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه واعتذر الحر عن موقفه الأول من الحسين وقبل الحسين عذره، فلما لامه بعض أصحابه عن الذهاب إلى الحسين قال: والله إني لأخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة غيرها ولو قطعت وحرّقت[159]
          إن الحر بن يزيد ـ رحمه الله ـ غير موقفه من الحسين ـ رضي الله عنه ـ بعد أن جنح الحسين إلى السلم، ورأى أن موقفه ضده ليس فيه إنصاف ولا عدل، إذ كيف يقاتل رجلاً يدعو إلى السلم، ويطلبه، ويمد يده إلى عدوه ليصالحه، إن الرجولة تقتضي أن يكون الموقف مع هذا المسالم موقف العون وشد الأزر، وإن العقل يحكم بأن الحق مع من يطلب السلم وينشده والحر يعلم أن الوقوف مع حسين والميل إليه ليس له معنى إلا الموت، ولكنه اختار الموت الذي يوصل إلى الجنة[160]، ومما قيل في الحر بن يزيد التميمي من شعر ما قاله جعفر بن عفان الطائي:
                                      ولم يك فيهم رجل رشيد
                                                                   سوى الحر التميمي الرشيد
                                      فواحزناه إن بنـي عليّ
                                                                   وفاطم قد أبيدوا بالحديد[161]

4 ـ موقف النّوار بنت مالك الحضرمية: وهي امرأة خوليّ بن يزيد الذي بعثه عمر بن سعد برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد، فلما بلغ خولي الكوفة قصد القصر، فوجد بابه مغلقاً، فتوجه بالرأس الشريف إلى بيته، فوضعه هناك تحت إجاّنة ـ والإجانة إناء تغسل فيه الثياب ـ ثم دخل على زوجته، وآوى إلى فراشه فقالت له زوجته: ما الخبر؟ عندك؟
قال: جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار، فقالت: ويلك جاء الناس بالذهب والفضة، وجئت برأس ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم! لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت[162] أبداً ، هذه امرأة انتظرت زوجها طويلاً، ولكن زوجها جاءها بما عكر عليها صفوها، وكدر عليها حياتها، وأفسد عليها انتظارها الطويل، لقد كانت ترجو أن يعود إليها زوجها بأخبار سارة تشرح صدرها، وتملأ عليها نفسها سروراً نعم إن عودة زوجها إليها سالماً هي أحسن خبر يحمله لها، ولكنه لم يعد إليها خالي الوفاض من الذهب والفضة اللذين يعود بهما المحاربون عادة فقط، ولو كان الأمر كذلك لسُرّت بعودته، وسلامته، ولكنه حمل إليها رأس الحسين ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنها يبلغها الخبر بفرحة تدل على رضاه وسروره، أفتفرح هي بذلك؟ أنه لو جاءها بالخبر دون أن يكون مصحوباً بالرأس كان ذلك كفيلاً بزيادة حزنها وأسفها، فكيف وهو يحدثها بالخبر مقروناً برأس الحسين ـ رضي الله عنه ـ إن كل مؤمن يحزنه الخبر، ويهدّ نفسه سماعه، لهذا غادرت النوار فراش زوجها، وأقسمت ألا تجتمع معه في بيت أبداً[163].

تاسعاً : موقف يزيد من قتل الحسين ومن أبناء الحسين وذريته:
          كتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية يخبره بما حدث ويستشيره في شأن أبناء الحسين ونسائه فلما بلغ الخبر يزيد بن معاوية بكى وقال: كنت أرضى من طاعتكم ـ أي أهل العراق ـ بدون قتل الحسين، كذلك عاقبة البغي والعقوق لعن الله ابن مرجانة لقد وجده بعيد الرحم منه، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه فرحم الله الحسين[164]، وفي رواية أنه قال:... أما والله لو كنت صاحبه، ثم لم أقدر على دفع القتل عنه إلا ببعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه[165]، فجاء رد يزيد على ابن زياد يأمره بإرسال الأسارى إليه، وبادر ذكوان أبو خالد فأعطاهم عشرة آلاف درهم فتجهزوا بها[166]، ومن هنا يعلم أن ابن زياد لم يحمل آل الحسين بشكل مؤلم أو أنه حملهم مغللين، كما ورد في بعض الروايات[167]، وقد مر معنا كيف أن ابن زياد قد أمر للأسارى بمنزل منعزل وأجرى عليهم الرزق والنفقة وكساهم[168].
وتذكر رواية عوانة أن محفز بن ثعلبة هو الذي قدم بأبناء الحسين على يزيد[169]، ولما دخل أبناء الحسين على يزيد قالت: فاطمة بنت الحسين: يا يزيد: أبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا قال: بل حرائر كرام: أدخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلت. قالت فاطمة: فدخلت إليهن فما وجدت فيهن سفيانية إلا ملتزمة تبكي[170]. وعندما دخل علي بن الحسين قال يزيد: إن أباك قطع رحمي وظلمني فصنع الله به ما رأيت ـ وكان علي بن الحسين في معركة كربلاء لم يشترك بسبب المرض الذي كان ملازمه، وكان أثناء احتدام المعركة طريح الفراش فحمل إلى ابن زياد مع بقية الصبيان والنساء[171] ـ فرد علي بن الحسين على يزيد ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) (الحديد ، الآية : 22). ثم طلب يزيد من ابنه خالد أن يجبه، فلم يدر خالد ما يقول فقال يزيد: قل له ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) (الشورى ، الآية : 30) .
وتحاول بعض الروايات ذات النزعات والميول الشيعية أن تصور أبناء الحسين وبناته وكأنهن في مزاد علني، جعل أحد أهل الشام يطلب من يزيد أن يعطيه إحدى بنات الحسين[172]. فهذا من الكذب البين الذي لم يدعمه سند صحيح، ثم أنها مغايرة لما ثبت من إكرام يزيد لآل الحسين، ثم إن يزيد لم يستعرض النساء ويجعلهن عرضة للجمهور من أراد فليختار ما يشاء[173]. وأرسل يزيد إلى كل امرأة من الهاشميات يسأل عن كل ما أخذ منهن، وكل امرأة تدعى شيئاً بالغاً ما بلغ إلا أضعفه لهن في العطية[174]، وكان يزيد لا يتغذى ولا يتعشى إلا دعا علي بن الحسين[175]. وذُكر إن رأس الحسين أرسل إلى يزيد فهذا لم يثبت، بل إن رأس الحسين بقي عند عبيد الله في الكوفة[176].

عاشراً : رجوع أهل الحسين وأبنائه إلى المدينة:
          بعث يزيد إلى المدينة فقدم عليه ذوي السن من موالي بني هاشم ومن موالي بني علي[177]، وبعد أن وصل الموالي أمر يزيد بنساء الحسين وبناته أن يتجهزن، وأعطاهن كل ما طلبن حتى لم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر بها[178]، ثم أمر النعمان بن بشير أن يقوم بتجهيزهم[179]،وقبل أن يغادروا قال يزيد لعلي بن الحسين إن أحببت أن تقيم عندنا فصل رحمك وتعرف لك حقك فعلت[180]. ولكن علي بن الحسين اختار الرجوع إلى المدينة، وأكرم أبناء الحسين وخيّرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة فاختاروا الرجوع إلى المدينة[181]، وعند مغادرتهم دمشق كرّر يزيد الاعتذار من علي بن الحسين وقال: لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلا أعطيتها إياه، ولدفعت عنه الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ولكن الله قضى ما رأيت، كاتبني بكل حاجة تكون لك[182].
          وأمر يزيد بأن يرافق ذرية الحسين وفد من موالي بني سفيان[183]، وكان عددهم ثلاثين فارساً، وأمر المصاحبين لهم أن ينزلوا حيث شاءوا ومتى شاءوا وبعث معهم أيضاً محرز بن حريث الكلبي ورجل من بهرا، وكانا من أفاضل أهل الشام[184] وخرج آل الحسين من دمشق محفوفين بأسباب الاحترام والتقدير حتى وصلوا إلى المدينة[185]. قال ابن كثير في يزيد: وأكرم آل بيت الحسين ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعفه، وردهم إلى المدينة في محامل وأبهة عظيمة، وقد ناح أهله على الحسين[186].

الحادي عشر : من المسئول عن قتل الحسين رضي الله عنه:
إن المسئول عن قتل الحسين أطراف متعددة منها:
1 ـ أهل الكوفة: إن أهل الكوفة هم الذين كاتبوا الحسين بن علي وهو في المدينة ومنّوه بالخروج حتى خرج إليهم بالرغم من تحذيرات الصحابة له بعدم الخروج ولما عين ابن زياد أميراً على الكوفة تأخر الناس عن نصرة الحسين وعن تأييده بل وانخرطوا في الجيش الذي حاربه وقتله، ولذا عبّر الحافظ ابن حجر عن موقف أهل الكوفة من الحسين بقول: فخُذِل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة، ولما تقابل الحسن ومن معه مع جند الكوفة نادى الحسين زعماء أهل الكوفة قائلاً لهم: يا شبث بن ربعي، وياحجار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إلى أنه قد أينعت الثمار، وأخضر الجناب، وطمت الجمام، وإنما تقدم على جند لك مجند، فأقبل. قالوا: لم نفعل، فقال سبحان الله بلى والله لقد فعلتم ثم قال: أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني[187]. وبالنظر إلى أقوال الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فإن الاتهام موجه إلى أهل العراق، وذلك في المسؤولية المتعلقة بقتل الحسين رضي الله عنه، فهذه أم سلمة رضي الله عنها لما جاء نعي الحسين بن علي لعنت أهل العراق وقالت: قتلوه قتلهم الله عز وجل غروه ودلوه لعنهم الله[188]. وابن عمر رضي الله عنهما يقول لوفد من أهل العراق حينما سألوه عن دم البعوض في الإحرام فقال: عجباً لكم يا أهل العراق تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألون عن دم البعوض[189]. ويقول البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق: روافض الكوفة موصوفون بالغدر والبخل، وقد سار المثل بهم فيها، حتى قيل أبخل من كوفي، وأغدر من كوفي، والمشهور من غدرهم ثلاثة أمور هي:
أ ـ بعد مقتل علي رضي الله عنه، بايعوا الحسن، وغدروا به في ساباط المدائن، فطعنه سنان الجعفي .
ب ـ كاتبوا الحسين رضي الله عنه، ودعوه إلى الكوفة لينصروه على يزيد، فاغتر بهم، وخرج إليهم، فلما بلغ كربلاء غدروا به وصاروا مع عبيد الله يداً واحدة عليه. حتى قتل الحسين وأكثر عشيرته بكربلاء .
جـ ـ غدرهم بزيد بن علي بن الحسين، نكثوا بيعته، وأسلموه عند اشتداد القتال[190].
        إن جزءاً كبيراً من المسئولسية يقع على أهل الكوفة، الذين جبنوا ونقضوا عهودهم.
2 ـ عبيد الله بن زياد:
          استمد عبيد الله جبروته وبطشه بالمعارضين من موافقة الخليفة يزيد بن معاوية، فعندما أقدم على قتل مسلم بن عقيل النائب الأول عن الحسين بالكوفة، وداعيته هانيء بن عروة الزعيم لقبيلة مراد المشهورة، استحسن يزيد هذا الفعل ولم يعترض عليه بل إنه لم يخف إعجابه به وبطشه وعسفه، فقد قال في ردّه على رسالته: أما بعد فإنك لم تعد إن كنت كما أحببت، عملت عمل الحازم، وصلت صولت الشجاع الرابط الجأش، فقد أغنيت وكفيت، وصدقت ظني بك، ورأي فيك[191].. فهذا التشيع دفع ابن زياد للشر أكثر خصوصاً وأن نفسه كانت ميالة للشر بطبيعتها، متطلعة إلى الغلو في مسيرتها، متعطشة إلى الدماء في سلطانها، وإلا فماذا كان عليه لو أنه نهر شمر وعنفه وردعه على قوله، واستمر في قبول خطة السلم التي عرضها الحسين رضي الله عنه. إن النفوس الدنية التي ارتفعت بعد انحطاط، وعزت بعد ذل، وتمكنت بعد حرمان، يعزّ عليها أن ترى الشرفاء الأمجاد، يتمتعون باحترام الناس وتقديرهم فتحاول أن تضع من مكانتهم، وتحط من منزلتهم إشباعاً لعقدة النقص التي تطاردهم في حياتهم، ولم يكن ابن زياد إلا واحداً من أصحاب هذه النفوس الدنية، فمن ابن زياد هذا ـ مهما كانت منزلته ـ إذا قورن بالحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ لهذا رفض الحسين أن يضع يده في يد ابن زياد، وقال لا أعطيهم بيدي إعطاء العبد الذليل، وقال عمر بن سعد لما وصله كتاب ابن زياد: لا يستسلم والله الحسين، إن نفساً أبية لبين جنبيه[192]، لقد كان عبيد الله بن زياد والياً ظالماً قبيح السريرة وهو الذي دخل عليه ـ عائذ بن عمرو المزني، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لعبيد الله: أي بني: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرِّعاء الحُطمة فإياك أن تكون منهم، فقال له، اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: هل كانت لهم نخالة[193]؟ إنما كانت النخالة بعدهم، وفي غيرهم[194].
          لقد كان يتوجب على ابن زياد أن يلبي مطالب الحسين، وأن يتركه يذهب إلى يزيد، أو أي مكان آخر، خاصة أنه لن يدخل الكوفة[195]، وقد قال ابن الصلاح في فتاويه: والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو ابن زياد[196]،وقال يوسف العش: وينبغي لنا أن نقول أن المسؤول عن قتل الحسين هو أولاً شمر، وثانياً عبيد الله بن زياد[197]. والصحيح أن المسئولية الأولى والإثم الأكبر في هذه المذبحة تقع على عاتق ابن زياد لأنه مدبر هذا الأمر كله وهو الذي رفض عروض الحسين، والتاريخ يستنكر كل ما فعله، ويذمه أشد الذم، ويدمغه بالبغي والطغيان[198]. ويقول الذهبي في نهاية ترجمة عبيد الله: الشيعي لا يطيب عيشه حتى يلعن هذا ودونه، ونحن نبغضهم في الله، ونبرأ منهم/ ولا نلعنهم وأمرهم إلى الله[199].
3 ـ عمر بن سعد بن أبي وقاص قائد الجيش:
          ومن المسئولين على قتل الحسين رضي الله عنه قائد جيشه عمر بن سعد بن أبي وقاص، وبئس الخلف للسلف أو الابن لأبيه ثم الجنود الذين نفذوا أوامرهم في غيرما رحمة وكان لهم مندوحة أن ينأوا عن ذلك، أو ينضموا إلى جانب الحسين، كما فعل الحر بن يزيد التميمي القائد الأول الذي أرسله بن زياد، ثم رأى أن ابن زياد وصحبه اعتدوا وطغوا حين رفضوا عروض الحسين المنصفة، فتحول إلى معسكر الحسين وقاتل معه حتى قتل شهيداً[200].
          إن عمر بن سعد لم يخرج ابتداءً لقتال الحسين، ولكنه كان خارجاً لقتال الديلم في أربعة آلاف مقاتل، فلما بلغ ابن زياد أمر حسين سيره إليه، وقال له: قاتل حسيناً فإذا انتهيت فانصرف إلى الديلم، وكان قد ولاه إمارة الرَّيّ واستعفى عمر ابن زياد من قتال الحسين، ولكن ابن زياد هدده بخلعه عن إمارة الرّي فتراجع عمر، وقال له: حتى أنظر، وأخذ يستشير الناس، وكلهم نصحوه بعدم الخروج إلى الحسين، وقال له ابن أخته ـ حمزة بن المغيرة بن شعبة ـ: أنشدك الله يا خال أن تسير إلى الحسين فتأثم بربك، وتقطع رحمك فوالله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها لو كان لك، خير لك من تلقى الله بدم الحسين[201]. فقال عمر بن سعد: فإني أفعل إن شاء الله وبرغم نصح الناصحين، وترهيب المرهبين، إلا أن نفس ابن سعد كانت متعلقة بالدنيا وحب الإمارة ومشغولة بالمنصب وتقلد الإدارة.. والحق يقال: إنه اجتهد في محاولة إيجاد مخرج يبتعد منه عن قتال الحسين ومن معه، ولكنه لم يوفق في شيء .
          إن النفوس المتطلعة إلى الدنيا، تنسى في سبيلها شهامة الرجال، ومروءة الكرام بل تنسى ما هو أعظم من ذلك موقفها بين يدي الله عز وجل، وأنها ستحاسب على كل عمل تعمله، بل تنسى بديهيات الأمور، حيث تنسى فناء الدنيا، وزوال المنصب، وضياع الجاه والسلطان، لقد كان عمر بن سعد في غنى عن أن يقرن اسمه بأسماء الخونة الغادرين، وأن يسجل في سجل المعتدين الآثمين، لو أنه ضحى بالمنصب، وقبل طاعة الله ورسوله، ولو أنه فعل ما فاته شيء مما كتب له من متاع الدنيا، ولكان عند الله من الأبرار الصالحين[202].
4 ـ يزيد بن معاوية: وأما يزيد، فظاهر الأمر أنه كره قتل الحسين ـ رضي الله عنه ـ وحاول أن يمنعه من الخروج، فكتب إلى ابن عباس، يسأله أن يكف الحسين عن الخروج وحين وضعت الرأس الشريفة بين يديه وقال: لعن الله ابن مرجانة كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه[203]. وهذا البكاء على الحسين، وسب ابن مرجانة لا يرفع اللوم عن يزيد، ولا يخليه من تبعة قتل الحسين وأصحابه، ذلك لأنه كان قادراً على أن يوجه أوامر صريحة لابن زياد بعدم قتل الحسين رضي الله عنه، والتصرف معه بكل حكمة وتعقل، حفظاً لرحمه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانته في قلوب المسلمين[204].
          إن تحمل يزيد لمسؤولية قتل الحسين ـ رضي الله عنه ـ قائمة كيف وقد قتل في خلافته وعلى أرض تسيطر عليها جيوشه، وقد كان أمير المؤمنين ـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ يحمّل نفسه مسؤولية بغلة عثرة في العراق أو في الشام، لم يسو لها الطريق، فكيف إذا كان القتلة هم جند أمير المؤمنين[205]؟ إن مقتل الحسين رضي الله عنه سيظل وصمة عار ونقطة سوداء في عهد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.

الثاني عشر : أقوال الناس في يزيد وهل يجوز لعنه؟
افترق الناس في يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثلاث فرق طرفان ووسط، فأحد الطرفين قالوا: إنه كان كافراً منافقاً، وأنه سعى في قتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم تشفياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتقاماً منه، وأخذاً بثأر جده عتبة وأخي جده شيبة، وخاله الوليد بن عتبة، وغيرهم ممن قتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب وغيره يوم بدر، وقالوا: تلك أحقاد بدرية، وآثار جاهلية وأنشدوا عنه:
                                      لما بدت تلك الحمول وأشرفت
                                                                             تلك الرؤوس على ربي جيروني
                                      نعق الغراب، فقلت نح أولاً تنح
                                                                             فلقد قضيت مـن النبي ديوني

وقالوا: إنه تمثل بشعر ابن الزَّبعري الذي أنشده يوم أحد:
                             ليت أشياخي ببـدر شهدوا
                                                                   جزع الخزرج من وقع الأسل
                             قد قتلنا الكثير من أشياخهم
                                                                   وعـدلناه ببـدر فاعتـدل[206]

وأشياء من هذا النمط وهذا القول سهل على الرافضة الذين يكفرون أبا بكر، وعمر، وعثمان، فتكفير يزيد أسهل.
والطرف الثاني: يظنون أنه كان رجلاً صالحاً وإمام عدل، وأنه كان من الصحابة الذين ولدوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وحمله على يديه وبرّك عليه، وربما فضله بعضهم على أبي بكر وعمر، وربما جعله بعضهم نبياً، ويقولون عن الشيخ عدي أو حسن المقتول ـ كذباً عليه ـ إن سبعين ولياً صرفت وجوههم عن القبلة لتوقفهم في يزيد، وهذا قول غالية العدوية.. ونحوهم من الضلال، فإن الشيخ عدياً كان من بني أمية وكان رجلاً صالحاً عابداً فاضلاً، ولم يحفظ عنه أنه دعاهم إلا إلى السنة التي يقولها غيره كالشيخ أبي الفرج المقدسي، فإن عقيدته موافقة لعقيدته، لكن زادوا في السنة أشياء كذب وضلال، من الأحاديث الموضوعة، والتشبيه الباطل، والغلو في الشيخ عدي وفي يزيد، والغلو في ذم الرافضة، بأنه لا تقبل لهم توبة وأشياء أخر. وكلا القولين ظاهر البطلان عند من له أدنى عقل وعلم بالأمور وسير المتقدمين، ولهذا لا ينسب إلى أحد من أهل العلم المعروفين بالسنة، ولا إلى ذي عقل من العقلاء الذين لهم رأي وخبرة[207]
        والقول الثالث : أنه كان ملكاً من ملوك المسلمين، له حسنات وسيئات، ولم يكن كافراً، ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين، وفعل ما فعل بأهل الحرة، ولم يكن صاحباً ولا من أولياء الله الصالحين، وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة. ثم افترقوا ثلاث فرق: فرقة لعنته، وفرقة أحبته، وفرقة لا تسبه ولا تحبه، وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين. قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: إن قوماً يقولون: إنهم يحبون يزيد، فقال: يا بني، وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا ابت، فلماذا لا تلعنه؟ فقال: يا بني، ومتى رأيت أباك يلعن أحداً. وقال منها: سألت أحمد عن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. فقال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل قلت: وما فعل؟ قال: قتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل. قلت: وما فعل؟ قال: نهبها. قلت: فيذكر عنه الحديث؟ لا يذكر عنه حديث. وهكذا ذكر القاضي أبو يعلي وغيره[208]، وقال أبو محمد المقدسي لما سئل عن يزيد: فيما بلغني لا يُسَبّ ولا يُحَبّ وقال ابن تيمية: وبلغني ـ أيضاً ـ أن جدنا أبا عبد الله بن تيمية سئل عن يزيد. فقال: لا تنقص ولا تزيد. وهذا أعدل الأقوال فيه وفي أمثاله وأحسنها وأما ترك سبه ولعنته فبناء على أنه لم يثبت فسقه الذي يقتضي لعنه، أو بناء على أن الفاسق المعين لا يلعن بخصوصه، إما تحريماً، وإما تنزيهاً. فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمر في قصة ((حمار)) الذي تكرر منه شرب الخمر وجلده لما لعنه بعض الصحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تلعنه، فإنه يجب الله ورسوله[209]. وقال: لعنُ المؤمن كقتله[210] هذا مع أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عموماً شارب الخمر ونهى في الحديث الصحيح عن لعن هذا المعين وهذا كما أن نصوص الوعيد عامة في أكل أموال اليتامى، والزاني والسارق، فلا نشهد بها عامة على معين بأنه من أصحاب النار، لجواز تخلف المقتضَى عن المقتضيِ لمعارض راجع: إما توبة، وإما حسنات ماهية، وإما مصائب مكفرة وإما شفاعة مقبولة وإما غير ذلك[211]. ومن اللاعنين من يرى أن ترك لعنته مثل ترك سائر المباحات من فضول القول، لا لكراهة في اللعنة، وأما ترك محبته، فلأن المحبة الخاصة إنما تكون للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وليس واحداً منهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب[212]، ومن آمن بالله واليوم والآخر، لا يختار أن يكون مع يزيد ولا مع أمثاله من الملوك، الذين ليسوا بعادلين. ولترك المحبة مأخذان: أحدهما: أنه لم يصدر عنه من الأعمال الصالحة ما يوجب محبته، فبقى واحداً من الملوك المسلطين ومحبة أشخاص هذا النوع ليست مشروعة، وهذا المأخذ ومأخذ من لم يثبت عنده فسقة أعتقد تأويلاً. والثاني: أنه صدر عنه ما يقتضي ظلمه وفسقه في سيرته من أمر الحسين وأمر أهل الحرة[213].
        وأما الذين لعنوه من العلماء كأبي الفرج الجوزي، والكيا الهراسي[214] وغيرهما، فلما صدر عنه من الأفعال التي تبيح لعنته، ثم قد يقولون: هو فاسق، وكل فاسق يلعن، وقد يقولون بلعن صاحب المعصية وإن لم يحكم بفسقة،... وقد يلعن لخصوص ذنوبه الكبار، وإن كان لا يلعن سائر الفساق، كما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعاً من أهل المعاصي، وأشخاصاً من العصاة وإن لم يلعن جميعهم فهذه ثلاثة مآخذ للعنته[215]
          وأما الذين سوغوا محبته أو أحبوه، كالغزالي، والدستي فلهم مأخذان: أحدهما: أنه مسلم ولي أمر الأمة على عهد الصحابة وتابعه بقاياهم، وكانت فيه خصال محمودة وكان متأولاً فيما ينكر عليه من أمر الحرة وغيره، فيقولون: هو مجتهد مخطيء، ويقولون: إن أهل الحرة هم نقضوا بيعته أولاً وأنكر ذلك عليهم ابن عمر وغيره، وأما قتل الحسين فلم يأمر به ولم يرض به، بل ظهر منه التألم لقتله، وذم من قتله، ولم يحمل الرأس إليه، وإنما حمل إلى ابن زياد. والمأخذ الثاني: أنه قد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له[216]. وأول جيش غزاها كان أميره يزيد. والتحقيق أن هذين القولين يسوغ فيهما الاجتهاد، وكذلك محبة من يعمل حسنات وسيئات، بل لا يتنافى عندنا[217] أن يجتمع في الرجل الحمد والذم، والثواب والعقاب، كذلك لا يتنافى أن يصلى عليه ويدعى له وأن يلعن ويشتم أيضاً باعتبار وجهين. فإن أهل السنة متفقون على أن فساق أهل الملة ـ وإن دخلوا النار ، أو استحقوا دخولها فإنهم ـ لا بد أن يدخلوا الجنة، فيجتمع فيهم الثواب والعقاب، ولكن الخوارج والمعتزلة تنكر ذلك، وترى أن من استحق الثواب لا يستحق العقاب ومن استحق العقاب لا يستحق الثواب[218]. وأما جواز الدعاء للرجل وعليه... فإن موتى المسلمين يُصلي عليهم، برهم وفاجرهم، وإن لعن الفاجر مع ذلك بعينه أو بنوعه، لكن الحال الأول أوسط وأعدل، وبذلك أجاب ابن تيمية رحمه الله مقدم المغول بولاي، لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة وجرت بينهما وبين غيره مخطابات، فسأل ابن تيمية: ما تقولون في يزيد؟ فقال: لا نسبه ولا نحبه، فإنه لم يكن رجلاً صالحاً فنحبه ونحن لا نسب أحداً من المسلمين بعينه فقال أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالماً؟ أما قتل الحسين؟ فقلت له: نحن إذا ذكر الظالمون ـ كالحجاج بن يوسف وأمثاله ـ نقول كما قال الله في القرآن: ((ألا لعنة الله على الظالمين)) (هود ، الآية : 18) ولا نحب أن نعلن أحد بعينه، وقد لعنه قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن هذا القول أحب إلينا وأحسن وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله، أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. قال: فما تحبون أهل البيت؟ قلت محبتهم عندنا فرض واجب يؤجر عليه، فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعى خمّا، بين مكة والمدينة فقال: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله. فذكر كتاب الله وحض عليه،، ثم قال: وعترتي أهل بيتي[219] قال ابن تيمية لمقدم المغول: ونحن نقول في صلاتنا كل يوم: اللهم صلى على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. قال مقدم المغول: فمن يبغض أهل البيت؟ قال: من أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. ثم قال ابن تيمية للوزير المغولي: لأي شيء قال عن يزيد وهذا تتريٌّ؟ قال: قد قالوا له: إن أهل دمشق نواصب، قال ابن تيمية بصوت عال: يكذب الذي قال هذا، ومن قال هذا، فعليه لعنة الله، والله ما في أهل دمشق نواصب، وما علمت فيهم ناصبيا ولو تنقص أحد علياً بدمشق لقام المسلمون[220] عليه وعلينا أن نعرف أن لعن يزيد لم ينتشر إلا بعد أن قامت الدولة العباسية وأفسحت المجال للنيل من بني أمية[221]، وأما الحديث الذي ورد مرفوعاً: ((لا يزال أمر أمتي قائماً، حتى يثلمه رجل من بني أمية يقال له: يزيد، فهو حديث غير صحيح، لأن فيه أكثر من علة[222]، فقد رواه أبو يعلي في مسنده من طريق صدقة السمين، عن هشام، عن مكحول عن أبي عبيدة مرفوعاً وفيه علتان.
أ ـ ضعف صدقة السمين، وهو أبو معاوية، صدقة بن عبد الله السمين، الدمشقي، ضعفه ابن معين والبخاري وأبو زرعة والنسائي، وقال أحمد ما كان من حديثه مرفوعاً فهو منكر، وما كان من حديثه مرسلاً عن مكحول فهو أسهل وهو ضعيف جداً وقال أيضاً: ليس يسوى شيئاً، أحاديثه مناكير وقال الدّارقطني: متروك[223]
ب ـ أن هناك انقطاعاً بين مكحول وأبي عبيدة لأنه لم يدركه[224].
        وقد تحدث ابن كثير عن الأحاديث في ذم يزيد فقال: وقد أورد ابن عساكر أحاديث في ذمّ يزيد بن معاوية كلها موضوعة لا يصح منها شيء، وأجود ما ورد ما ذكرناه على ضعف أسانيده وانقطاع بعضه، والله أعلم[225]

الثالث عشر : التحذير من أساطير حول مقتل الحسين رضي الله عنه:
إن الشيعة بالغوا في نقل أخبار تلك الحادثة، وامتلأت كتب التاريخ بحوادث عجيبة قيل إنها وقعت إثر مقتل الحسين، من احمرار الأفق، وتدفق الدماء من تحت الحجارة، وبكاء الجنّ، إلى غير ذلك من الخيال الذي نسجته عقول الشيعة يومئذ، وما زالوا يردّدونه إلى اليوم تضخيماً لهذا الحادث على حساب غيره من الأحداث الأخرى[226]، وإن الذي يدرس أسانيد تلك الأخبار والرّوايات لا يرى إلا ضعفاً هالكاً، أو مجهولاً لا يعرف أصله أو مدلِّساً يريد تعمية الأبصار عن الحقائق[227]، ومن أكاذيب مؤرخي الشيعة على سبيل المثال في هذه الموقعة أن السبايا حملن على نجائب الأبل عرايا حتى أن الإبل البخاتي[228] إنما نبتت لها الأسنمة من ذلك اليوم لتستر عوارتهن من قبلهن ودبرهن[229]. وقال ابن كثير: ولقد بالغ الشِّيعة في يوم عاشوراء، فوضعوا أحاديث كثيرة وكذباً فاحشاً، من كون الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم، وما رفع يومئذ حجر إلا وجد تحته دم، وإن أرجاء السماء احمرّت، وأن الشمس كانت تطلع وشُعاعُها كأنه الدم وصارت السماء كأنها علقة، وأن الكواكب صار يضرب بعضها بعضاً، وأمطرت السماء دماً أحمر، وأن الحمرة لم تكن في السماء قبل يومئذ.. وأن رأس الحسين لما دخلوا به قصر الإمارة جعلت الحيطان تسيل دماً، وأن الأرض أظلمت ثلاثة أيام، ولم يُمسَّ زعفران ولا ورس مما كان معه يومئذ إلا احترق مسَّه، ولم يرفع حجر من حجارة بيت المقدس إلا ظهر تحته دم عبيط. وأن الإبل التي غنموها من إبل الحسين حين طبخوها صار لحمها مثل العلقم. إلى غير ذلك من الأكاذيب والأحاديث الموضوعة التي لا يصح منها شيء[230].
·                  انتقام الله من قتلة الحسين: وأما ما رُوِيَ من الأمور والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح فإنَّه قَلَّ من نجا منهم في الدنيا إلا أُصيب بمرض، وأكثرهم أصابه الجنون، وللشيعة والرافضة في صفة مصرع الحسين رضي الله عنه، كذب كثير وأخبار طويلة، وفيما ذكرناه كفاية وفي بعض ما أوردنا نظر، ولولا أن ابن جرير وغيره من الحفاظ الأئمة ذكروه ما سُقته وأكثره من رواية أبي مخنف لوط ابن يحي، وقد كان شيعياً وهو ضعيف الحديث عند الأئمة ولكنه أخباري حافظ عنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره، ولهذا يترامى عليه كثير من المصنَّفين ممَّن بعده والله أعلم[231]. ويقول ابن تيمية رحمه الله: وأما السؤال عن سَبْي أهل البيت وإراكابهم حتى نبت لها سنامان وهي البّخّاتي ليستتروا بذلك، فهذا من أقبح الكذب وأبينه وهو مما افتراه الزنادقة والمنافقون، الذين مقصودهم الطعن في الإسلام، وأهله من أهل البيت، وغيرهم، فإن من سمع مثل هذا وشهرته وما فيه من الكذب قد يظن أو يقول إن المنقول إلينا من معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء هو من الجنس، ثم إذا تبين أن الأمة سّبَّتْ أهل بيت نبيها، كان فيها من الطعن في خير أمة أخرجت للناس ما لا يعلمه إلا الله، إذ كل عاقل يعلم أن الإبل البَخَاتي كانت مخلوقة موجودة قبل أن يبعث الله النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل وجود أهل البيت، كوجود غيرها من الإبل والغنم، والبقر والخيل والبغال[232]، وللأسف الشديد، فقد شحنت المصادر التاريخية الإسلامية، مثل تاريخ الطبري، وتاريخ ابن عساكر وغيرهما بمثل هذه الأباطيل والأكاذيب، ممّا يتطلب تحقيقاً علمياً لهذين الكتابين خاصة، ولغيرهما من كتب التاريخ[233].

الرابع عشر : ما قيل من رثاء في الحسين رضي الله عنه :
قال سليمان بن قَتّة التيمي:
                             وإن قتيل الطَّف مـن آل هاشم
                                                                   أذل رقاباً مـن قريـش فذلّت
                             مـررت على أبيـات آل محمد
                                                                   فألفيتها أمثـالها حيـن حُلّت
                             وكانوا لنـا عُنْمـاً فعادوا زبّـة
                                                                   لقد عظمت تلك الرازيا وجَلّت
                             فـلا يبعـد الله الديـار وأهلها
                                                                   وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
                             إذا افتقـرت قيـسٌ جبرنا فقيرَها
                                                                   وتقتلنا قيـس إذا النّعـلُ زلّت
                             وعنـد غِنيِّ قطـرة مـن دماءنا
                                                                   سنجزيهم يوماً بها حيث حَلّت
                             ألم تر أن الأرض أضحت مريضة
                                                                   لفقد حسين والبلاد أقشعرت[234]
                            
وقال أبو الأسود الدِّيْلي في قتل الحسين رضي الله عنه:
                             أقول وذاك من جزع ووجد
                                                                   أزال الله ملـك بنـي زياد
                             وأبعدهم بما غدروا وخانوا
                                                                   كما بعدت ثَمود وقوم عاد
                             هموا خَشَمُوا الأنوف وكنا شُمّا
                                                                   لقتل ابن القُعَاسِ أخي مراد[235]
                             قتيل السوق يا لك من قتيل
                                                                   به نضح من أحمر كالجِساد
                             وأهل نبينا من قبل كانوا
                                                                   ذوي كرم دعائم للبلاد
                             حسين ذو الفضول وذو المعالي
                                                                   يزين الحاضرين وكَّلَّ باد
                             أصاب العِزَّ مَهْلِكُهُ فأضحى
                                                                   عميداً بعد مصرعه فؤادي[236]
وقال عبيد الله بن الحر أيضاً:
                             يا لكِ حسرة ما دمـت حيـا
                                                                   تردّد بيـن حلقي والتّراقي
                             حسيناً حين يطلب بذل نصري
                                                                   على أهـل العداوة والشّقاق
                             ولو أنـي أواسـيه بنفسـي
                                                                   لنلت كرامة يـوم التّـلاق
                             مع ابن المصطفى نفسي فـداه
                                                                   فولّى ثـم ودّعَ بالفــراق
                             غداة يقول لـي بالقصر[237] قولا
                                                                   أتتركنا وتُزمـع بالظـلاق؟
                             فلو فلق التَلهّفُ قلـب حَيّ
                                                                   لهـمَّ اليـومَ قلبـي بانطلاق
                             فقد فاز الأُولى نصروا حسيناً
                                                                   وخاب الآخرون أولو النفاق[238]
وقال شاعر  الإسلام محمد أقبال:
                             وحسين فـي الأبرار والأحرار
                                                                   ما أزكى شمائله ومـا أنداها
                             فتعلموا ريّ اليقين من الحسين
                                                                   إذا الحسين وقد أجاب نداها
                             الأمهات يلدن للشمس الضياء
                                                                   وللجواهر حسنها وصفاها[239]

المبحث الرابع : أهم الدروس والعبر والفوائد:
أولاً : يوم عاشوراء: وهو اليوم العاشر من محرم الحرام،وقد ابتدع فيه بدع منكرة، وهلك فيه طائفتان بين إفراط وتفريط طائفة تجعله يوم فرح وسرور وأخرى يوم حزن ونياحة[240] .
لقد غلت الشيعة في مقتل الحسين رضي الله عنه غلواً مفرطاً فجعلوا يوم استشهاده رضي الله عنه العاشر من محرم مأتماً وحزناً ونياحة يكررونه في كل عام إلى يومنا هذا ورتبوا على هذا الفعل الأجر والثواب، فهو جالب للمغفرة والرحمة، مكفرة للذنوب والخطايا في زعمهم[241]. فقد روي الطوسي في أماليه بسنده عن الرضا عليه السَّلام أنه قال من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة، يوم فرحه، وسروره وقرت بنا في الجنان عينه[242]، وبسنده أيضاً عن أبي عمارة الكوفي قال: سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول: من دمعت عينه دمعة لدم سفك لنا أو حق لنا أنقضاه أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا بوأه الله تعالى بها في الجنة أحقاباً[243]. وروى البرفي بسنده عن جعفر الصادق أنه قال: من ذكر عنده الحسين فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر[244]. وقد بوب المجلسي باباً قال فيه: باب ثواب البكاء على مصيبته ومصائب سائر الأئمة وفيه أدب المأتم يوم عاشوراء، وساق فيه أكثر من ثمان وثلاثين رواية[245] منها ما رواه بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام[246]. بل زعموا أن السماء والأرض بكت لقتله فأمطرت السماء دماً وتراباً أحمر، كما بكت الملائكة والجن وسائر المخلوقات[247]، ولم يكتفوا بذلك حتى قالوا بتحريم يوم عاشوراء وأن من صامه فهو عدو للحسين وأهل بيته رضي الله عنهم أجمعين[248]، فقد روى الكليني بسنده عن جعفر بن عيسى قال: سألت الرضا عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه، فقال: عن صوم ابن مرجانة تسألني، ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام وهو يوم يتشاءم به آل محمد صلى الله عليه وسلم ويتشاءم به أهل الإسلام لا يصام ولا يتبرك به ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله عز وجل فيه نبيه وما أصيب آل محمد إلا في يوم الاثنين فتشاءمنا به وتبرك به ابن مرجانة وتشاءم به آل محمد صلى الله عليه وسلم، فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب وكان حشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما[249]. والأكاذيب في هذا الباب كثيرة. وهذه المآتم تظهر علناً كلما قويت شوكة الشيعة أو ظهرت لهم دولة ففي دولة بني بويه الشيعية في سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة ألزم معز الدولة ابن بابويه يوم عاشوراء أهل بغداد بالنواح على الحسين رضي الله عنه، وأمر بغلق الأسواق ومنع الطباخين من عمل الأطعمة، وخرجت نساء الشيعة منشرات الشعور مضحمات الوجوه يلطمن ويفتن الناس، وهذا أول ما نيح عليه[250]، كما اتخذت الدولة العبيدية الفاطمية على كثرة أعيادها ومناسباتها يوم عاشوراء يوم حزن ونياحة فكانت تتعطل فيه الأسواق ويخرج فيه المنشدون في الطرقات، وكان الخليفة يجلس في ذلك اليوم متلثماً يرى به الحزن كما كان القضاة، والدعاة، والأشراف، والأمراء يظهرون وهم ملثمون حفاة، فيأخذ الشعراء بالإنشاد ورثاء أهل البيت وسرد الروايات والقصص التي اختلقوها في مقتل الحسين رضي الله عنه[251]. ومن مظاهرهم في هذه الأيام خروج المواكب العزائية في الطرقات والشوارع مظهرين اللطم بالأيدي على الخدود والصدور، والضرب بالسلاسل والحديد على الأكتاف حتى تسيل الدماء[252] وقد وصف ابن كثير ما يفعل الشيعة من تعدي  لحدود الكتاب والسنة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها فقال: فكانت الدَّبادب[253] تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء ويُذَرُّ الرماد والتبن في الطرقات والأسواق وتعلق المسوح على الدكاكين ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ موافقه للحسين، لأنه قتل عطشان ثم تخرج النساء حاسرات عن وجوههن ينحن ويلطمن وجوههن وصدورهن حافيات في الأسواق إلى غير ذلك من البدع الشنيعة والأهواء الفظيعة والهتائك المخترعة وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يُشنِّعوا على دولة بني أمية، لأنه قتل في أيامهم[254].
وقد جوّز علماء الشيعة ما يسمونه بالمواكب العزائية فقد أجاب محمد حسين الغروي النائيني عندما وجهت إليه أسئلة حول المواكب العزائية إذ قال:
1 ـ خروج المواكب العزائية في عشرة عاشوراء ونحوها إلى الطرقات والشوارع مما لا شبهة في جوازه ورجحانه وكونه من أظهر مصاديق ما يقوم به عزاء المظلوم وأيسر الوسائل لتبليغ الدعوة الحسينية إلى كل قريب وبعيد.
2 ـ لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي على الخدود والصدور حد الاحمرار والإسوداد  بل يقوي جواز الضرب بالسلاسل أيضاً على الأكتاف والظهور إلى الحد المذكور بل وإن تأذى كل من اللطم والضرب إلى خروج دم يسير على الأقوى، وأما إخراج الدم من الناحية بالسيوف والقامات فالأقوى جواز ما كان ضرره مأموناً.
3 ـ الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبيهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة الإمامية باتخذها لإقامة العزاء والبكاء والإبكاء منذ قرون وإن تضمنت لبس الرجال ملابس النساء على الأقوى، فهذه الفتوى المعمول بها اليوم لدى الشيعة وعليها الإجماع وقد قرضها أكثر من إثني عشر من علمائهم[255]، وفي وصف هذه المظاهر يقول ناصر الدين شاه: وفي الهند وباكستان وإيران والعراق تكتسي هذه المآتم حللاً مركبة إذ يخرج الرجال في الطرقات وهم يسيرون وراء هودج قد يبالغون في ارتفاعه حتى يبلغ بضعة أمتار وهم عراة وفي أيديهم زناجير من حديد وفي رؤوسها شفرات صغيرة حادة يضربون بها صدورهم وظهورهم حتى تسيل الدماء منهم، وفي كثير من الأحيان يموت بعضهم، أما النساء فإنهن يجلسن في دورهن ينحن ويبكين ويلطمن صدورهن بأيديهن كل هذا تكريماً للحسين الذي قتل مظلوماً بزعمهم[256]، ويقول السيد محسن الأمين الحسيني العاملي معللاً إقامة المآتم، ونريد بإقامة المآتم البكاء لقتله (عليه السلام) بإخراج الدمع بصوت وبدونه والتعرض لما يسبب ذلك وإظهار شعار الحزن والتأسف والتألم لما صدر عليه، وتذكر مصابه ونظم الأشعار في رثائه، وتلاوتها واستماعها وتهييج النفوس بها للحزن والبكاء[257]. ولم يكتفوا بذلك يقول الخميني: إن البكاء على سيد الشهداء عليه السلام وإقامة المجالس الحسينية هي التي حفظت الإسلام منذ أربعة عشر قرناً[258]. فمتى كان البكاء دعوة ومتى كان العويل جهاداً فهذا معتقد الشيعة الإمامية في مقتل الحسين وفي يوم عاشوراء فهل هذا الفعل من الإسلام في شيء؟
        إن الحسين رضي الله عنه بريء من تلك الأفعال المذكورة لئن الإسلام الذي جاء به جده عليه الصلاة والسلام لا يجوّز تلك الأفعال فقد قال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدوى[259] الجاهلية وقال صلى الله عليه وسلم: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال[260] من قطران[261]، ودرع من جرب[262] ، وقال صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة[263]، كما أن ما يفعله الشيعة في الحسينيات والمآتم تحت مسمى الشعائر الحسينية مثل: اللطم والنياحة ولبس السواد، والتطبير وغيرها والتي أفتى علماؤهم وعظماؤهم بجوازها فإنها محرمة عل لسان الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى ألسنة أئمة أهل البيت الكرام في المصادر الشيعية القديمة والحديثة، واعترف بهذا التحريم شيوخ وأعلام المذهب الشيعي الإثني عشر[264]، فهذا محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقب عند الشيعة بالصدوق قال: من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم يسبق إليها: النياحة من عمل الجاهلية[265]. ورواه محمد باقر المجلسي بلفظ: النياحة عمل الجاهلية[266]، فالنوح الذي استمرت عليه الشيعة جيلاً بعد جيل بعد جيل من عمل الجاهلية كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم[267]. ومن هذه الروايات التي تنهي عما يقترفه الشيعة في الحسينيات ما قاله أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: وإياك والنواح على الميت ببلد يكون لك به سلطان[268]، وقوله: ثلاث من أعمال الجاهلية لا يزال فيها الناس حتى تقوم الساعة: الاستسقاء بالنجوم والطعن في الأنساب والنياحة على الموتى[269]، ومن الأدلة قول الإمام الباقر: أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر من النواصي، ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر وأخذ في غير طريقه[270]، وقد أنكر ما يحدث من ضرب الرؤوس بالخناجر والسيوف وإسالة الدماء الشيخ حسن مغنية: والواقع أن ضرب الرؤوس بالخناجر والسيوف وإسالة الدماء ليست من الإسلام في شيء ولم يرد فيها نص صريح ولكنها عاطفة نبيلة تجيش في نفوس المؤمنين لما أريق من الدماء الزكية على مذابح فاجعة كربلاء[271]، ولا شك إن هذه الأمور من المنكرات والبدع الشنيعة[272]. إن الإسلام علمنا آداب المصائب ومقتل الحسين رضي الله عنه مصيبة عظيمة، فمن آداب الإسلام في المصائب.
1 ـ الصبر عليها:
          وهذا أعظم آدابها، أن يصبر المؤمن على المصيبة التي تنزل به، ومن هذا الصبر حبس القلب عن التسخط، وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عمّا يغضب الله تعالى من لطم الخدود، وشق الجيوب وخمش الوجوه، ونتف الشعر والدعاء بدعوة الجاهلية وينبغي أن يكون هذا الصبر عند سماع الإنسان خبر المصيبة لأول مرة وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى[273].
2 ـ احتساب المصيبة والصبر عليها: فينبغي أن يلتمس الأجر من الله تعالى في هذا الصبر، فيصبر ابتغاء موعود الله من الأجر والثواب ويصبر لأن الله أمره بالصبر، فقال عز وجل: ((واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)) (لقمان الآية ، 17)، ويتذكر إن فقد عزيزاً لديه، قول النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة[274]، وصفيُّه: أي حبيبه من ولد أو والد أو نحوه. وهكذا فإن الله تعالى وعد بالأجر العظيم على الصبر على المصائب، ولكن بشرط أن يكون الصبر ابتغاء وجه الله تعالى، كما قال عز وجل ((وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ)) (الرعد : 22) ، فينبغي أن يكون الصبر لله تعالى، ولا صبر المغلوب. بل صبر الراضي بقضاء الله، المسلِّم به[275].
3 ـ الاسترجاع ودعاء المصيبة: فيقول المرء عند نزول المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خير منها. فقد قال اله عز وجل ((وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)) (البقرة ، الآيات : 155 ـ 157). وقال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها[276]، قالت أم سلمة: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله[277].
        ويقول كذلك: الله ربي لا شريك له: فإن ذلك يكشف عنه المصائب والبلاء بإذن الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من أصابه هم أو غم، أو سقم، أو شدة فقال: الله ربي لا شريك له. كشف ذلك عنه[278]، ويدعو كذلك بدعاء المكروب الذي ذكره النبي صلى اله عليه وسلم حيث قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت[279]، ويقول كذلك كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فإنه صلى الله عليه وسلم: كان إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم، برحمتك استغيث[280].
4 ـ اجتناب كل ما يغضب الله: وذلك من جنس الجهر بالسوء من القول، واللطم، وشق الجيوب، وحلق الشعور، والنياحة والشكوى إلى الناس والدعاء بالموت، والويل والثبور، وغير ذلك، فهذا كله يغضب الله تعالى، وينافي الصبر على المصائب والرضا بها[281].
5 ـ تهوين المصيبة على النفس بتذكرة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
        فإن وفاته وانقطاع وحي السماء من أعظم المصائب التي نزلت بالأمة، وبكل مسلم، وإذا تذكر المصاب بمصيبة ما تلك المصيبة العظيمة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهوَّن ذلك عليه مصيبته التي نزلت به، فإن المصيبة العظيمة لا تهون إلا بالنظر إلى ما هو أعظم منها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب[282].
6 ـ مشاهدة النعمة في المصيبة: فمن أدب المسلم مع المصيبة أن يشاهد فيها نعمة الله تعالى، ولئن كان قتل الحسين ـ رضي الله عنه ـ عظيماً وشرّاً كبيراً، فإنه بالنسبة له خير وإكرام يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فلما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما ـ يوم عاشوراء قتلته الطائفة الظالمة الباغية وأكرم الله تعالى الحسين بالشهادة كما أكرم بها من أكرم من أهل بيته. أكرم بها حمزة وجعفراً وأباه علياً وغيرهم، وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته وأعلى درجته، فإنه هو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء كما قال صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الناس أشد بلاء؟ فقال: الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خُفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة[283]. فكان الحسن والحسين قد سبق لهما من الله تعالى ـ ما سبق من المنزلة العالية، ولم يكن حصل لهما من البلاء ما حصل لسلفهما الطيب، فإنهما وُلِدا في عز الإسلام، وتربيا في عز وكرامة، والمسلمون يعظمونهما، ويكرمونهما، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستكملا سن التمييز، فكانت نعمة الله عليهما أن ابتلاهما بما يُلحقهما بأهل بيتهما، كما ابتلى من كان أفضل منهما فإن علي بن أبي طالب أفضل منهما، وقد قُتل شهيداً[284].
www.libya-web.net



 سير أعلام النبلاء (2/280) الإصابة (1/331) ـ 334) .[1]
 فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/772) إسناده حسن .[2]
 البخاري رقم 3753 .[3]
 سنن الترمذي (5/656) حديث رقم 3768 صححه الألباني في الأحاديث الصحيحة (2/448) .[4]
 مواقف المعارضة صـ180 .[5]
 المصدر نفسه صـ240 .[6]
 تاريخ الطبري (6/267) .[7]
 تاريخ الطبري (6/267) .[8]
 تاريخ الطبري (6/276) .[9]
 تاريخ الطبري (6/283 ، 284) .[10]
 تهذيب الكمال (2/301) مواقف المعلرضة صـ232 .[11]
 أنساب الأشراف (3/167) . [12]
[13] تاريخ الطبري (6/272) .
[14] المصدر نفسه (6/274) .
[15] المصدر نفسه (6/305) .
 أنساب الأشراف (4/15 ـ 16) .[16]
 الطبقات (1/451) تحقيق السُّلمي .[17]
 الكامل في التاريخ (2/546) .[18]
 أثر العلماء في الحياة السياسية في الدولة الأموية صـ475 . [19]
 الفقهاء والخلفاء صـ25 .[20]
 الطبقات الكبرى تحقيق السلمي (1/444) .[21]
 سير أعلام النبلاء (3/292) .[22]
 مختصر تاريخ دمشق (7/138) .[23]
 مصنف ابن أبي شيبة (15/95) بسند حسن .[24]
 مواقف المعارضة في خلافة يزيد صـ236 .[25]
 تهذيب الكمال (6/461) ، الطبقات (1/445) تحقيق السلمي .[26]
 الطبقات الكبرى (1/445) تحقيق السُّلمي .[27]
 تاريخ الطبري (6/311) .[28]
 المصدر نفسه (6/311) .[29]
 المصدر نفسه (6/312) .[30]
 مختصر تاريخ دمشق (7/139) .[31]
 المصدر نفسه (7/140) .[32]
 تظأرني : تعطفني عليك .[33]
 البداية والنهاية (11/504) .[34]
 مختصر تاريخ دمشق (7/139) .[35]
 سير أعلام النبلاء (3/296) .[36]
 تاريخ دمشق (14/209) أحداث وأحاديث فتنة الهرج صـ212 .[37]
 موضع بين حنين وأنصاب الحرم، على يسرة الدّاخل إلى مكة من مشاش .[38]
 مختصر تاريخ دمشق (7/144) .[39]
 تاريخ دمشق (14/214) .[40]
 الطبقات (7/147) ، تاريخ خليفة صـ164 .[41]
 مختصر تاريخ دمشق (7/140) .[42]
 أثر العلم في الحياة السياسية صـ481 .[43]
 تهذيب الكمال (6/419) مواقف المعارضة صـ243 .[44]
 البداية والنهاية (11/505) .[45]
 سير أعلام النبلاء (3/304) مواقف المعارضة صـ344 .[46]
 تاريخ الطبري (6/277) .[47]
 المصدر نفسه (6/277) .[48]
 المصدر نفسه (6/278) .[49]
   تاريخ الطبري (6/279) .[50]
 تاريخ الطبري (6/279) .[51]
 تاريخ الطبري (6/280) .[52]
 التأتي : التهيّؤ والتسهل .[53]
 انفتل من الصلاة : لوى وجهه أي ختم صلاته .[54]
 سيما الخير : سمته وعلامته .[55]
 حجب عنه : منع من رؤيته .[56]
 الأخبار الطوال صـ218 تاريخ الطبري (6/284) .[57]
 تاريخ الطبري (6/284) .[58]
 عليل : مريض .[59]
 سخيمة القلب : حقده الدفين .[60]
 خبثت : صارت خبيثة ، أي رديئة ماكرة .[61]
 أوجس خيفة : أحس بالخوف ، فزع .[62]
 هشم أنفه : حطّمه .[63]
 الأخبار الطوال صـ219 ، تاريخ الطبري (6/288) .[64]
 المصدر نفسه صـ219 .[65]
 تاريخ الطبري (6/289) .[66]
 تاريخ الطبري (6/291) .[67]
 مواقف المعارضة صـ255 .[68]
[69] تاريخ الطبري (6/293) .
 المصدر نفسه (6/293) .[70]
 المصدر نفسه (6/293) .[71]
 المصدر نفسه (6/291) .[72]
 تاريخ الطبري (6/291) .[73]
 مواقف المعارضة صـ257 ، الطبقات (5/374) .[74]
 تاريخ الطبري (6/293) .[75]
 سير أعلام النبلاء (3/308) .[76]
 البداية والنهاية (11/ 488) ، تاريخ الطبري (6/297) .[77]
 تاريخ الطبري (6/298). [78]
 البداية والنهاية (11/490) .[79]
 المصدر نفسه (11/490) ، تاريخ الطبري (6/302) .[80]
 تاريخ الطبري (6/302) .[81]
 الأمويون بين الشرق والغرب (1/205) .[82]
 مروج الذهب (3/6) .[83]
 مواقف المعارضة صـ259 إلى 261 .[84]
 البداية والنهاية (11/490 ، 491) . المكان المرتفع .[85]
 المصدر نفسه (11/491) .[86]
 تاريخ الطبري (6/309) ، مواقف المعارضة صـ262 .[87]
 الطبقات (5/167) ، تهذيب الكمال (6/422) مواقف المعارضة صـ263 .[88]
 تهذيب الكمال (6/422) مواقف المعارضة صـ263 .[89]
 ذات عرق على مرحلتين من مكة .[90]
 البداية والنهاية (11/510) .[91]
 مجمع الزوائد (9/139) ، المعجم الكبير (3/115) .[92]
 الطبقات (5/376) مواقف المعارضة صـ264 .[93]
 خفضان : لعلها خفان : موضع قرب الكوفة يسلكه الحاج أحياناً .[94]
 القطقطان : موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالقرب من القادسية .[95]
 لعلع : منزل بين البصرة والكوفة بينها وبين البصرة عشرون ميلاً .[96]
 أنساب الأشراف (3/166) الطبقات (5/376) .[97]
 واقصة : منزل بطريق مكة لبن شهاب من طيء وهو دون زبالة بمرحلتين .[98]
 أنساب الأشراف (3/573) مواقف المعارضة صـ265 .[99]
 البداية والنهاية (11/512) .[100]
 تاريخ الطبري نقلاً عن مواقف المعارضة صـ266 .[101]
 الطبقات (5/376) أنساب الأشراف (3/167) .[102]
 أنساب الأشراف (3/168) مواقف المعارضة صـ266 .[103]
 مواقف المعارضة صـ266 .[104]
 أنساب الأشراف (3/168) مواقف المعارضة صـ266 .[105]
 الطبقات (5/371) .[106]
 زبالة : منزل معروف بطريق مكة من الكوفة .[107]
 شراف : بين واقصة والقرعاء على ثمانية أميال من الإحساء .[108]
 تاريخ الطبري (6/322) .[109]
 مواقف المعارضة صـ267 .[110]
 تاريخ الطبري (6/323) .[111]
 تاريخ الطبري (6/322) .[112]
 المصدر نفسه (6/325) .[113]
 المصدر نفسه (6/327) .[114]
 المصدر نفسه (6/328) .[115]
 المصدر نفسه (6/328) .[116]
 المصدر نفسه (6/329) .[117]
 المصدر نفسه (6/326) [118]
 أنساب الأشراف (3/166) .[119]
 تاريخ الطبري (6/335) .[120]
 الطف : ما اشرف من أرض العرب على ريف العراق وهي بناحية الكوفة .[121]
 تاريخ الطبري (6/337) .[122]
 المحن لأبي العرب صـ154 .[123]
 المصدر نفسه صـ154 .[124]
 المصدر نفسه . [125]
 أنساب الأشراف (3/173 ، 224) بإسناد صحيح وتوبع عند الطبري بإسناد صحيح .[126]
 تاريخ الطبري (6/340) .[127]
 المصدر (6/340 ، 341) .[128]
 حقبة من التاريخ صـ132 ، تاريخ الطبري (6/342) .[129]
 تاريخ الطبري (6/346) .[130]
 النخيلة : تصغير نخلة ـ موضع قرب الكوفة .[131]
 الطبقات (5/378) .[132]
 تاريخ الطبري (6/349) .[133]
 تاريخ الطبري (6/249) .[134]
 المصدر نفسه (6/350) .[135]
 تاريخ الطبري نقلاً عن مواقف المعارضة صـ276 .[136]
 المصدر نفسه نقلاً عن مواقف المعارضة صـ276 .[137]
 تاريخ الطبري (385) .[138]
 تاريخ الطبري (325) .[139]
 الطبقات (5/386) إسناد جمعي تاريخ الطبري (6/385) .[140]
 الطبقات (5/385) مواقف المعارضة صـ277 .[141]
 تاريخ الطبري نقلاً عن مواقف المعارضة صـ276 .[142]
 تاريخ خليفة بن خياط صـ234 .[143]
حقبة من التاريخ صـ135 ، 136 .[144]
 مسند أبي يعلي رقم 3981 يلثم : يقبل .[145]
 مسند أبي يعلي رقم 3981 .[146]
 البخاري رقم 3748 .[147]
 أنساب الأشراف (3/226) إسناد صحيح .[148]
 أبو العرب صـ157 ، تاريخ الطبري (6/388) .[149]
 الدولة الأموية المفترى عليها صـ322 .[150]
 منهاج السنة (2/249) .[151]
 تاريخ الطبري ، نقلاً عن الدولة الأموية المفترى عليها صـ322 .[152]
 الكامل في التاريخ (2/582) .[153]
 الأمويون بين الشرق والغرب (1/249) .[154]
 تاريخ الطبري (6/259) .[155]
 الأمويون بين الشرق والغرب (1/249) .[156]
 تاريخ الطبري (6/277) .[157]
 الأمويون بين الشرق والغرب (1/250) .[158]
 تاريخ الطبري (6/355 ، 356) .[159]
 الأمويون للوكيل (1/252) .[160]
 كتاب المحن صـ157 .[161]
 تاريخ الطبري (6/385) .[162]
 الأمويون بين الشرق والغرب (1/253) .[163]
 أنساب الأشراف بسند حسن (3/219 ، 220) مواقف المعارضة صـ282) .[164]
 الأباطيل والمناكير (1/265) للجوزقاني بسند كل رجاله ثقات إلا أن فيه إنقطاعاً بين الشعبي والمدائني .[165]
 الطبقات (5/393) مواقف المعارضة صـ282 .[166]
 المحن صـ155 ، مواقف المعارضة صـ282 . [167]
 مواقف المعارضة صـ283 .[168]
 تاريخ الطبري (6/394) .[169]
 المصدر نفسه (6/395) .[170]
الطبقات (5/211) مواقف المعارضة صـ278 .[171]
 تاريخ الطبري (6/392) رواية أبي مخنف .[172]
 البدء والتاريخ (6/12) وقال المؤلف : أن للروافض في هذه القصة من الزيادات والتهاويل شيئاً غير قليل .[173]
الطبقات (5/397) ، تاريخ الطبري (6/395) .[174]
 الطبقات (5/397) .[175]
 حقبة التاريخ صـ141 .[176]
 الطبقات (5/397) .[177]
 المصدر السابق (5/397) تاريخ الطبري (6/393) .[178]
 تاريخ الطبري (6/392) .[179]
 المصدر نفسه (6/393) سير أعلام النبلاء (4/386) .[180]
 منهاج السنة (4/559) .[181]
 تاريخ الطبري (6/393) .[182]
 الطبقات (5/397) مواقف المعارضة صـ286 .[183]
 الحجة في بيان المحجة (2/525 ـ 526) مواقف المعارضة صـ286 .[184]
 مواقف المعارضة في خلافة يزيد صـ286 .[185]
البداية والنهاية نقلاً عن مواقف المعارضة صـ287 . [186]
 أنساب الأشراف (3/227) مواقف المعارضة صـ288 .[187]
 فضائل الصحابة (2/782) بإسناد حسن .[188]
 مسند أحمد رقم 5568 إسناده صحيح .[189]
 الفرق بين الفرق صـ37 .[190]
 تاريخ الطبري نقلاً عن مواقف المعارضةصـ293 .[191]
 تاريخ الطبري (6/342) .[192]
 نخالة : ما بقي في المنخل مما ينخل .[193]
 البخاري رقم 7150 .[194]
 مواقف المعارضة صـ297 .[195]
 القيد الشريد ورقة 13 ، مواقف المعارضة صـ295 .[196]
 الدولة الأموية صـ172 .[197]
 عبد الملك بن مروان والدولة الأموية صـ105 .[198]
 عبد الملك بن مروان والدولة الأموية صـ105 .[199]
 عبد الملك بن مروان والدولة الأموية صـ105 .[200]
 تاريخ الطبري (6/335) .[201]
 الأمويون بين المشرق والمغرب (1/244) .[202]
 أنساب الأشراف (3/219 ، 220) سند حسن .[203]
 العالم الإسلامي في العصر الأموي صـ478 .[204]
 الأمويون بين المشرق والمغرب (1/245) .[205]
 الفتاوى (4/294) .[206]
 الفتاوى (4/295) .[207]
 المصدر (4/295) [208]
 البخاري رقم 6780 .[209]
 البخاري 6652 .[210]
 الفتاوى (4/296) .[211]
 البخاري رقم 6169 .[212]
 الفتاوى (4/296) .[213]
 هو علي بن محمد الطبري الملقب بعماد الدين توفي 504هـ .[214]
 الفتاوى (4/297) .[215]
 البخاري رقم 2924 .[216]
 الفتاوى (4/297) .[217]
 المصدر نفسه (4/297) .[218]
 مسند أحمد (4/367) .[219]
 الفتاوى (4/297 ، 298) .[220]
 مواقف المعارضة صـ501 .[221]
 أحداث وأحاديث فتنة الهرج صـ204 مسند أبو يعلي رقم 870 .[222]
 تهذيب التهذيب (4/381) .[223]
 أحداث وأحاديث صـ204 .[224]
 البداية والنهاية نقلاً عن أحداث وأحاديث صـ204 .[225]
 أحداث وأحاديث فتنة الهرج صـ204 .[226]
 المصدر نفسه صـ213 .[227]
 البخت : الأبل الخراسانية .[228]
 البداية والنهاية (11/564 ، 565) .[229]
 البداية والنهاية (11/576) .[230]
 المصدر نفسه (11/577) .[231]
 الفتاوى (4/306) .[232]
 أحداث وأحاديث فتنة الهرج صـ213 .[233]
 الطبقات (1/512) تحقيق السُّلمي .[234]
 ابن القُعَاس : وصف لهانيء عروة يقال: رجل أقعس : ثابت عزيز منيع لسان العرب (6/177) .[235]
 الطبقات تحقيق السُّلمي (1/512) .[236]
 القصر هو قصر بني مقاتل وهو المكان الذي التقى فيه مع الحسين .[237]
 الطبقات (1/516) .[238]
 الدوحة النبوية صـ130 .[239]
 الأعياد وأثرها على المسلمين ، سليمان السجمي صـ261 .[240]
 العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط ص،490 .[241]
 أمالي الطوسي صـ194 بحار الأنوار (44/284) .[242]
 البحار (44/279) أمالي المفيد صـ112 .[243]
 المحاسن صـ36 ، البحار (44/289) .[244]
 البحار (44/278 ـ 296) .[245]
 المصدر نفسه (44/280) .[246]
 المصدر نفسه (44/285 ـ 286) .[247]
 العقيدة في أهل البيت صـ492 .[248]
 الكافي (4/146) الاستبصار (2/35) البحار (45/59) .[249]
 العبر للذهبي (2/89) (البداية والنهاية (11/577) .[250]
 الخطط للمقريزي (1/431) .[251]
 العقيدة في أهل البيت صـ494 .[252]
 الدبادب : جمع الدّبداب وهو الطبل .[253]
 البداية والنهاية (11/577) .[254]
 مقتل الحسين وفتاوى العلماء الأعلام في تشجيع الشعائر للشيخ مرتضى عياد صـ12 ـ 40 وممن قرضها وأقرّها ، العقيدة في أهل البيت صـ495 .[255]
 العقائد الشيعية صـ135 .[256]
 إقناع اللائم على إقامة المآتم صـ2 .[257]
 عقيدة أهل السنة في أهل البيت صـ496 نقلاً عن كشف الأسرار .[258]
 البخاري رقم 1294 .[259]
 السربال : القميص . [260]
 القطران : هو النحاس المذاب شديدة الحرارة .[261]
 مسلم رقم 934 .[262]
 الصالقة التي تصيح والحالقة التي تحلق شعرها والشاقة التي تشق جيبها، مسلم ، ك الإيمان رقم 167 .[263]
 من قتل الحسين صـ73 .[264]
 من لا يحضره الفقيه (4/271 ـ 272) .[265]
 بحار الأنوار (82/103) .[266]
 من قتل الحسين صـ73 .[267]
 مستدرك الوسائل للنوري (1/44) .[268]
 بحار الأنوار (82/101) .[269]
 الكافي للكليني (3/222 ـ 223) .[270]
 آداب المنابر صـ182 .[271]
 من قتل الحسين صـ83 .[272]
 البخاري رقم 1283 .[273]
 البخاري رقم 4624 .[274]
 موسوعة الآداب الإسلامية ، عبد العزيز فتحي (2/786) .[275]
 مسلم رقم 918 .[276]
 مسلم رقم 918 .[277]
 صحيح الجامع رقم 6040 .[278]
 سنن أبي داود رقم 5090 ، صحيح الجامع رقم 3388 .[279]
 سنن الترمذي رقم 3524 صحيح الجامع .[280]
 موسوعة الآداب الإسلامية (2/788) .[281]
 البيهقي في شعب الإيمان رقم 10152 ، صحيح الجامع 347 .[282]
 الترمذي رقم 2398 حسن صحيح .[283]
 الفتاوى (25/162) .[284]

Tidak ada komentar:

Posting Komentar